كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 5)
حَاضِرًا من المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إلى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مع عُمَرَ، فلما اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عبد الرحمن، ثُمَّ قال: "أَمَّا بَعْدُ يا عَلِيُّ، إني قد نَظَرْتُ في أَمْرِ الناس، فلم أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فلا تَجْعَلَنَّ على نَفْسِكَ سَبِيلًا"، فقال -لعثمان -رضي اللَّه عنه-: "أُبَايِعُكَ على سُنَّةِ اللَّه وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ من بَعْدِهِ"، فَبَايَعَهُ عبد الرحمن، وَبَايَعَهُ الناس المُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ وَالمُسْلِمُونَ (¬1).
• وجه الدلالة: أن أولئك الخمسة -رضي اللَّه عنهم- قد تبرؤوا من الاختيار، وجعلوه إلى واحد منهم يختار لهم وللمسلمين من رآه أهلًا للإمامة، وهو عبد الرحمن بن عوف -رضي اللَّه عنه-، وما أنكر ذلك أحد من الصحابة الحاضرين، ولا الغائبين إذ بلغهم ذلك (¬2).
• من خالف الإجماع: الطائفة الأولى: الأصم من المعتزلة (¬3)، ورواية عن الإمام أحمد (¬4)، قالوا بإجماع الأمة كلها على من اختير من قبل أهل الحل والعقد.
ونوقش: بأنه لا يلتفت إلى إجماع الدهماء، فإن ذلك لا يصح؛ لأن طبقة الدهماء لابد أن تكون مقلدة لفئة منها تؤثر عليها بالدعاية والضجيج، فلا تستطيع أن تحكم في أناة وتعقل لتختار الإمام العادل، ومن ثم فإن أهل الحل والعقد -وهم الطليعة الواعية، والفئة المستنيرة من أهل الاجتهاد من الأمة- هم الجديرون باختيار الإمام؛ لأنهم سيحملون وزره إذا لم يتحروا في اختياره الصواب، وسيكونون شركاءه في مآثمه ومظالمه (¬5).
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه (ص 140).
(¬2) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 130).
(¬3) قال: "لا تنعقد إلا بإجماع المسلمين". يُنظر: مقالات الإسلاميين (2/ 194).
(¬4) سئل الإمام أحمد عن حديث النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"، ما معناه؟ قال أبو عبد اللَّه: "تدري ما الإمام؟ الإمام: الذي يجمع المسلمون عليه، كلهم يقول: هذا إمام. فهذا معناه". أخرجه أبو بكر الخلال في السنة، تحقيق: عطية الزهراني، (1/ 81) رقم (10). ويُنظر: منهاج السنة النبوية (1/ 529).
(¬5) المجموع شرح المهذب للنووي، وتكملته للمطيعي (19/ 193).