كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 5)

التي يتعلق بها مصير الأمة، وليس شيء أعظم من اختيار الخليفة، فلو تُرك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع، ولا يردعهم عن الباطل رادع، لهلكوا، ولاستحوذ أهل الفساد على العباد (¬1).
• ثانيًا: الآثار: الدليل الأول:
1 - قول عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: "من بَايَعَ رَجُلًا من غَيْرِ مَشُورَةٍ من المُسْلِمِينَ، فَلَا يُتَابَعَ هُو وَلا الَّذِي تَابَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا" (¬2).
2 - ولما جعل عمر -رضي اللَّه عنه- الخلافة بين ستة من العشرة المبشرين بالجنة قال لهم: "فَإِنْ حَدَثَ بِي حَدَثٌ فَلْيُصَل لَكُمْ صُهَيْبٌ ثَلاثَ لَيَالٍ، ثُمَّ أَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ، فَمَنْ تَأَمَّرَ مِنْكُمْ عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ" (¬3).
• وجه الدلالة: أوجب عمر -رضي اللَّه عنه- على أهل الحل والعقد التزام المشورة في اختيار الخليفة، وشدد على من يخالفها، وأمر بضرب عنقه، وفي ذلك دلالة على وجوبها.
الدليل الثاني: قال المسور بن مخرمة -رضي اللَّه عنه-: "إِنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا، فقال لهم عبد الرحمن: لَسْتُ بِالَّذِي أُنَافِسُكُمْ على هذا الْأَمْرِ، وَلَكِنَّكُمْ إن شِئْتُمْ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ، فَجَعَلُوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما وَلَّوْا عَبْدَ الرحمن أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عنى عبد الرحمن، حتى ما أَرَى أَحَدًا مِنَ الناس يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ، ولا يَطَأُ عَقِبَهُ، وَمَالَ النَّاسُ على عبد الرحمن يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي، حتى إذا كانت اللَّيْلَةُ التي أَصْبَحْنَا منها فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ"، قال الْمِسْوَرُ: "طَرَقَنِي عبد الرحمن بَعْدَ هَجْع من اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حتى اسْتَيْقَظْتُ، فقال: أَرَاكَ نَائِمًا! فَوَاللَّه ما اكْتَحَلتُ هذه الثَّلاثِ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ
¬__________
(¬1) أسنى المطالب شرح روض الطالب (8/ 265).
(¬2) جزء من خبر سقيفة بني ساعدة، المتقدم تخريجه (ص 134).
(¬3) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 344)، والبيهقي في الكبرى، كتاب قتال أهل البغي، باب: من جعل الأمر شورى بين المستصلحين له (8/ 151) رقم (16357)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 438) عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما. قال ابن حجر في فتح الباري (7/ 68): "أخرجه ابن سعد بإسناد صحيح".

الصفحة 180