كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 5)

فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا، فَدَعَوْتُهُمَا له، فَشَاوَرَهُمَا، ثُمَّ دَعَانِي فقال: ادْعُ لي عَلِيًّا، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى إبْهَارِ اللَّيْلُ، ثُمَّ قام عَلِيٌّ من عِنْدِهِ وهو على طَمَعٍ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَن يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ قال: ادْعُ لي عُثْمَانَ، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا المُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ، وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَأَرْسَلَ إلى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إلى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ، وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مع عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عبد الرحمن، ثُمَّ قال: أَمَّا بَعْدُ، يا عَلِيُّ، إني قد نَظَرْتُ في أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فلا تَجْعَلَنَّ على نَفْسِكَ سَبِيلًا، فقال: أُبَايِعُكَ على سُنَّةِ اللَّه وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْن من بَعْد، فَبَايَعَهُ عبد الرحمن، وَبَايَعَهُ الناس؛ المُهَاجِرُونَ، وَالْأَنْصَارُ، وَأُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ، وَالْمُسْلِمُونَ" (¬1).
• وجه الدلالة: فيه اجتماع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على بيعة عثمان -رضي اللَّه عنه- من بعد مشورة.
الدليل الثالث: جمع أبو بكر الصديق -رضي اللَّه عنه- الناس في مرضه الذي قُبض فيه وقال لهم: "أمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم عليكم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا بعدي". فقاموا في ذلك، وحلُّوا عنه، فلم تستقم لهم، فقالوا: ارأ لنا يا خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: "فلعلكم تختلفون؟ " قالوا: لا، قال: "فعليكم عهد اللَّه على الرضا؟ " قالوا: نعم. قال: "فأمهلوني انظر للَّه ودينه ولعباده"، فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان -رضي اللَّه عنهما- فقال: "أشر علي برجل، واللَّه إنك عندي لها لأهل وموضع". فقال: عمر. فقال: "اكتب". فكتب حتى انتهى إلى الاسم، فغُشي عليه، ثم أفاق فقال: "اكتب عمر" (¬2).
• وجه الدلالة: مشاورة أبي بكر رضى اللَّه عنه لكبار الصحابة قبل ثبوت عهده إلى عمر -رضي اللَّه عنه-.
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه.
(¬2) أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (1/ 352) رقم (1087)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 248).

الصفحة 181