كتاب موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 5)

المؤمنين له، ويُسمَّى خليفة لأنه خلف الماضي قبله وقام مقامه" (¬1).
وقال ابن خلدون (¬2): "قد بينا حقيقة هذا المنصب، وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا، به تسمى: خلافة وإمامة، والقائم به خليفة وإمامًا، فأما تسميته إمامًا فتشبيها بإمام الصلاة في اتباعه والاقتداء به، ولهذا يقال: الإمامة الكبرى، وأما تسميته خليفة فلكونه يخلف النبي في أمته، فيُقال: خليفة بإطلاق، وخليفة رسول اللَّه، واختُلِف في تسميته: خليفة اللَّه، فأجازه بعضهم اقتباسًا من الخلافة العامة التي للآدميين في قول اللَّه -تعالى-: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (¬3)، وقوله: {جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} (¬4)، ومنع الجمهور منه؛ لأن معنى الآية ليس عليه (¬5)، وقد نهى أبو بكر عنه لما دُعي به، وقال: "لست خليفة اللَّه، ولكني خليفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم" (¬6)،
¬__________
(¬1) شرح السنة، الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، (14/ 75).
(¬2) هو فيلسوف المؤرخين ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي النسب، ولد في تونس سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، ورحل إلى الجزائر، ثم إلى فاس، ثم إلى الأندلس، واستقر به المقام بالقاهرة، وأقبل عليه طلبة العلم وجلس للتدريس بالجامع الأزهر، أشهر مؤلفاته: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، توفي سنة ثمان وثمانمائة، يُنظر: كشف الظنون (2/ 1124)، واكتفاء القنوع (1/ 76).
(¬3) سورة البقرة، الآية: (30). قال الطبري في تفسيره (1/ 200): "أي: مني. يخلفني في الحكم بين خلقي، وذلك الخليفة هو آدم، ومن قام مقامه في طاعة اللَّه، والحكم بالعدل بين خلقه"، ونسب هذا القول إلى ابن مسعود وابن عباس رضي اللَّه عنهم.
(¬4) سورة الأنعام، الآية: (165).
(¬5) قال ابن كثير في معنى الآية: "أي: جعلكم تعمرونها جيلًا بعد جيل، وقرنًا بعد قرن، وخلفًا بعد سلف، قاله ابن زيد وغيره". يُنظر: تفسير ابن كثير (2/ 250).
(¬6) أخرجه أحمد في المسند (1/ 10) رقم (59)، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب المغازي، باب: ما جاء في خلافة أبي بكر (7/ 433) رقم (37048)، وابن سعد في الطبقات الكبرى، (3/ 183). قال الهيثمي: "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن ابن أبي مليكة لم يدرك الصديق". يُنظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، (5/ 184). وذهب الراغب الأصفهاني إلى أن الخلافة النيابة عن الغير، إما لغيبة المنوب عنه، وإما لموته، وإما لعجزه، هاما لتشريف المستخلف، قال: "وعلى هذا الوجه الأخير استخلف اللَّه أولياءه في الأرض. . . "، ثم ذكر الآيات الدالة على ذلك. يُنظر: المفردات في غريب القرآن للراغب (ص 156).

الصفحة 52