كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 5)

مصرَ والحِجاز بأبي الخَطّاب السُّوسيّ. تفَقّه بمَرّاكُشَ على جماعةٍ من أهلِها وشَرَّق طالبًا العلمَ، وحَجَّ وجاوَرَ بمكّةَ شرَّفها الله، واختَصَّ بالفقيه أبي محمدٍ عبد الوهّاب البغداديِّ صِهرِ ابن مُعافَى، وأخَذَ عنه أصُولَ الفقه، وتعليقةَ أبي سَعِيدٍ محمد بن يحيى في مسائل الخلاف، وهو أوّلُ مَن أدخَلَها إلى المغربِ. ثم قَفَلَ إلى هذه البلاد، وأخَذ بالإسكندَرّية على أبي الحَسَن الأبياريِّ، ولازَمَ أبا العزِّ مظفَّرَ بنَ محمد ابن المُقترح، ثُم قَفَلَ إلى المغرِب، فدرَّسَ بالمَهْديّة عِلمَ الكلام وأصُولَ الفقه ومسائلَ الخِلاف، ثم رَحَلَ متجرِّدًا إلى قُطبِ الدِّين أبي عليّ النَّفْطيِّ بنَفْطةَ (¬1)، فكان قُطبُ الدِّين يقول لأصحابِه لِما عَلِمَ من صِدقِ باطنِه: هذا عُمرُ الصِّدِّيق، ثم عاد إلى المَهْدِيّة فدرَّس بها.
قال أبو القاسم بنُ البَراءِ (¬2): قَدِمَ علينا بالمَهْديّة أبو علي السُّوسيُّ سنةَ ستٍّ وست مئة، فأملَى علينا "البُرهانَ" لإمام الحَرَمَيْنِ أبي المعالي من صَدْرِه، وكان يُملي علينا مسائلَ من عِلم الكلام، [وسُمِع عليه بها غيرُه] , ثم عاد إلى مَرَّاكُشَ فالتفَّ عليه الناسُ بها، وأخَذوا عنه، [ودرَّسَ بها] أصُولَ الفقه وعِلمَ الكلام، ورَوى الحديثَ وأقرَأَ العربيّة، ونوظرَ عندَه [وأقرَأَ] "رسالةَ القُشَيْريِّ" و"طبقاتِ الصُّوفيّة"، وكان يتكلَّمُ [عليهما بما يُبكي] سامعَه، وكان معَ هذا الاستبحارِ في العلوم متصوِّفًا ذا إشاراتٍ وكراماتٍ وأحوالٍ صادقة، متينَ الدِّين، زاهدًا في الدّنيا، منقبِضًا عن [أهلِها، يتصدَّقُ] بما يَصيرُ إليه منها، لا يَدّخرُ شيئًا من يومِه لغدِه، ولا يرُدُّ سائلًا ولا قاصدَ حاجة، ولم يزَلْ على حالِه
¬__________
(¬1) انظر عن نفطة: معجم البلدان 5/ 296.
(¬2) هو مفخرة المهدية أبو القاسم بن علي بن عبد العزيز بن البراء التنوخي. انتهت إليه بحضرة تونس رئاسة العلم ورئاسة القرب من السلطان. ولد في حدود 580 هـ وتوفي سنة 677 هـ وله برنامج ربما هو الذي نقل منه المؤلف. انظر رحلة التجاني: 367، وتاريخ الدولتين: 33، والفارسية: 121، ودرة الأسرار: 9 - 12.

الصفحة 105