كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة (اسم الجزء: 5)

واللهُ قد شاء أن يكونا ... في جنّةِ الخُلدِ خالدَيْنِ
خاب مُعاديهما وفازا ... بفَضْل ما في الشّهادتَيْنِ (¬1)
هذا يا سيّدَنا رضيَ اللهُ عنكم ما أمَرتُم به من الزّيادة، وما قرَنَه بها مقامُكم الأعلى من شَرْطِ الاستحسان، فليس في وُسع العبدِ أن يَدخُلَ تحتَ هذا الارتهان، ومن الذي يتَعاطَى أن يُجارِيَ أبا الفَرَج عُذوبةَ لفظ [وعُمقَ رَويّة، وجَوْدةَ] نظم ونثر فيما انفرَدَ به من سَجِيّة، ورِقّةَ طِباع [حضَريّة أعانه] على حُسنِ المَساق، لُدونةُ هواءِ العراق، واغتذاؤه [إيّاه] بدوام الاستنشاق، والعبدُ -وسواه- عاقَهُ عن اللَّحاق، البعدُ [عن تلك الآفاق] ومشاهدةُ دَرَنٍ بالعَشيِّ والإشراق (¬2)، وتنسُّمُ هوائه السابق إلى [الأحداق] لكنّ العبدَ بادَرَ ائتمارًا، لا مدَّعيًا اقتدارًا، ولن يُطبِقَ المَفصِل في مثل ذلك، إلا الشّعراءُ المُفْلِقون، لا الكُتّابُ المُلفِّقون، وسيّدُنا رضي اللهُ عنه يوسعُ [عبدَه] عُذرًا، ويُسدلُ عليه للإغضاءِ سَتْرًا، إن شاء اللهُ تعالى، وهو سبحانَه ينظمُ المشارقَ والمغاربَ في سلكِ مُلكِه، ويعُمُّ بإنعامِه كلَّ عبدٍ تشرَّف بالاعتزاءِ إلى مُلكِه بمَنِّه وكرَمِه.
وعاد نَجْمُ الدّين إلى الأندَلُس، ودخَلَ منها في كرَّتِه هذه إشبيلِيَةَ، ثم قَفَلَ إلى سَبْتة، وخاطَبَ أبا المُطرِّف يُعلِمُه بذلك، فكتَبَ إليه أبو المُطرِّف من سَلا:
¬__________
(¬1) اشتغل بتذييل بيتي ابن الجوزي عدد من الأعلام، وقد وردت التذييلات المذكورة هنا وغيرِها أيضًا في رحلة ابن رشيد 2/ 393 (المطبوع) وفي الجزء المخطوط رقم 1737 ورقة 107 وما بعدها، وفي زواهر الفكر لإبن المرابط (مخطوط الإسكوريال).
(¬2) من العجب ذم منظر (الأطلس) كما يبدو من مراكش. وإذا كنا نعذر المعتمد الذي يقول:
هذي جبال درن ... مشوبة بالدرن
كأنها تخبرني ... بأنها تقبرني
يا ليتني لم أرها ... وليتها لم ترني
فإننا لا نعذر الرعيني الذي عاش في مراكش معززًا مكرمًا وكذلك ابن مضاء القرطبي الذي يقول:
يا ليت شعري وليت غير نافعة ... من الصبابة هل للعمر تنفيس؟
متى أرى ناظرًا في جفن قرطبة ... وقد تغيب عن عينيَّ نفّيس؟

الصفحة 400