كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
صار الطاغوت معبوداً من دون اللَّه، كقولك: "أمر": إذا صار أميراً، و (عبد الطاغوت) بالجر عطفاً على (مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ).
فإن قلت: كيف جاز أن يجعل اللَّه منهم عُباد الطاغوت؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أنه خذلهم حتى عبدوه. والثاني: أنه حكم عليهم بذلك ووصفهم به، كقوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف: 19].
وقيل الطاغوت: العجل لأنه معبودٌ من دون اللَّه، ولأن عبادتهم للعجل مما زينه لهم الشيطان، فكانت عبادتهم له عبادة للشيطان وهو الطاغوت. وعن ابن عباسٍ رضي اللَّه تعالى عنه: أطاعوا الكهنة، وكل من أطاع أحداً في معصية اللَّه فقد عبده.
وقرأ الحسن: (الطواغيت).
وقيل: (وجعل منهم القردة): أصحاب السبت (والخنازير): كفار أهل مائدة عيسى. وقيل: كلا المسخين من أصحاب السبت، فشبانهم مسخوا قردة، ومشايخهم مسخوا خنازير.
وروي أنها لما نزلت كان المسلمون يعيرون اليهود ويقولون: يا إخوة القردة والخنازير فينكسون رؤوسهم.
(أُولئِكَ) الملعونون الممسوخون (شَرٌّ مَكاناً) جعلت الشرارة للمكان وهي لأهله. وفيه مبالغة ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (حكم عليهم بذلك ووصفهم به) أي: قال في حقهم: إنهم عبدة الطاغوت وسماهم به، هذا مذهبه، ويلزم منه استعمال لفظ المشترك في مفهوميه، لأنه في المعطوف عليه بمعنى "صبر"، وفي المعطوف بمعنى "سمى".
قوله: (جُعلت الشرارة للمكان، وهي لأهله) وفيه وجهان؛ لأنه إذا نُظر إلى أن التمييز فاعل في الأصل؛ أي: شر مكانهم، كان إسناداً مجازياً، نحو: فلان يطؤهم الطريق، وإذا نظر