كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم متوقعاً لإظهار اللَّه ما كتموه، فدخل حرف التوقع وهو متعلق بقوله: (قالُوا آمَنَّا) أي: قالوا ذلك وهذه حالهم.
[(وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ* لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) 62 - 63].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حرف تقريب، ويُسمى حرف توكيد ويُسمى حرف تحقيق، وأما معنى التقريب فهو أنك إذا قلت: قد قام زيدٌ، كان دالاً على أن قيامه قريب من إخبارك، بخلاف: قام زيدٌ، وأما معنى التوكيد فهو أنه جواب قولك: هل فعل ولما يفعل، وأما معنى التوقع فكما ذكره الخليل: هذا الكلام لقوم ينتظرون الخبر، أي: إنما يُخبر بذلك من ينتظر الإخبار به في ظنك أو علمك، ومنه: قد قامت الصلاة.
وقلت: ومن حق الظاهر أن يدخُل على ما يتوقعه المخاطب من الفعل والمتوقع هاهنا- كما قال- إظهار ما كتم المنافقون، لكن لما كان قوله: {قَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ} [المائدة: 61] إخباراً عن نوع من نفاقهم وإظهاراً لخديعتهم "وأنهم يخرجون من مجلسك كما دخلوا، لم يتعلق بهم شيء مما سمعوا من تذكيرك بآيات الله"، كان إظهاراً لما يتوقعه من كتمانهم، نحو: توقعك خروج الأمير من داره، فقيل لك: قد ركب الأمير.
قوله: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متوقعاً لإظهار الله ما كتموه)، فإن قلت: إن "قد" موضوعة لتوقع مدخولها، وهاهنا مدخولها عين النفاق، فكيف قال: "لإظهار الله ما كتموه"؟ قلت: لاشك أن المتوقع ينبغي ألا يكون حاصلاً، وكونهم منافقين كان معلوماً عنده صلى الله عليه وسلم، بدليل قوله: "إن أمارات النفاق كانت لائحة عليهم"، فيجب المصير إلى المجاز والقول بإظهار الله ما كتموه، أي: إظهار النفاق.

الصفحة 411