كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

الإثم الكذب بدليل قوله تعالى: (عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ). وَالْعُدْوانِ: الظلم. وقيل: الإثم: كلمة الشرك. وقولهم عزيز ابن اللَّه. وقيل: الإثم: ما يختص بهم. والعدوان: ما يتعداهم إلى غيرهم.
والمسارعة في الشيء: الشروع فيه بسرعةٍ. (لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) كأنهم جعلوا آثم من مرتكبي المناكير لأن كلٍ عامل لا يسمى صانعاً، .......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (الإثم: الكذب بدليل قوله: {عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ}، الانتصاف: هذا الاستدلال لا يصح؛ لأن الإثم مقول يحتمل كونه كذباً وشركاً، وقلت: الظاهر الأول، ولذلك قال بعده: "وقيل: الإثم: كلمة الشر"، وبيانه: أن الإثم في قوله: {وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ} مطلق متأول لجميع المعاصي والمنهيات، وكان من حق الظاهر أن يُقال بعده: لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عما تنازعوا فيه، فلما أعيد الإثم وخُص بالقول احتمل كلمة الشرك وقول الكذب أيضاً، فدل قرائن الكلام، وهو قولهم: آمناً، على أن المراد الكذب، فخُص به، كقوله تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} إلى قوله تعالى: {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 8 - 10]. وليس في الكلام ما يُنبئ عن ذلك المعنى، فلا يُحمل عليه إلا بالتعسف، وإنما ترك العدوان في الثانية وخص الإثم بالقول - والعلم عند الله- ليؤذن بأن قول الكذب وأكل السحت أفحشها، وهما الأصل في العدوان لا سيما من العلماء، روينا عن الإمامين: مالك وأحمد رضي الله عنهما، عن مالك، عن صفوان رضي الله عنه، قال: قيل: يا رسول الله، أيكون المؤمن جباناً؟ قال: "نعم"، قلنا: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: "نعم"، قيل: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: "لا".
قوله: (جُمعوا آثم من مرتكبي المناكير). آثم: مفعولٌ ثانٍ لـ"جُعل"، أُفرد لأن أفعل التفضيل استعمل بـ "مِن".

الصفحة 412