كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

ولا كل عملٍ يسمى صناعة حتى يتمكن فيه ويتدرّب وينسب إليه، وكأن المعنى في ذلك أن مواقع المعصية معه الشهوة التي تدعوه إليها وتحمله على ارتكابها، وأما الذي ينهاه فلا شهوة معه في فعل غيره، فإذا فرط في الإنكار كان أشدّ حالاً من المواقع، ولعمري إن هذه الآية مما يقذ السامع وينعى على العلماء توانيهم .......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولا كل عمل يُسمى صناعة حتى يتمكن فيه)، الراغب: الصُّنع أخص من العمل، كما أن العمل أخص من الفعل، وذلك أن الفعل يقال فيما كان من الحيوان وغير الحيوان، وبقصد وعن غير قصد، والعمل لا يُقال إلا ما كان من الحيوان وبقصد، والصنع لا يقال إلا ما كان من الإنسان بقصد واختيار وبعد فكرٍ وتحري إجادة، ولهذا يقال: رجلٌ صانع، أي: حاذق، وثوب صنيع، أي: مُجاد.
قوله: (يقذ السامع)، الجوهري: وقذه يقذه وقذاً: ضربه حتى استرخى وأشرف على الموت. هذا إذا رُوي "يقذ" بكسر القاف مخففة، ومن روى بضمها مشددة يكون من: قذه يقذه. الأساس: قذ الريش بالمقذ: حذف أطرافه، وسهمٌ مقذوذ: مريش، وقذه السهام يقذه، فقوله: "يقذ السامع" أي: يحرضه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويردعه عن التواني في ذلك، فإن السهم إذا قُذ كان أصوب إلى الرمية، ومثله ما مر في آل عمران في قصة نعيم بن مسعود: "لم يخل ناس يضامونه ويصلون جناح كلامه".
قوله: (وينعي على العلماء توانيهم) إشارة إلى أن {لَوْلا} للتحضيض، قال ابن الحاجب: "لولا" و"لوما" و"هلا" و"إلا": معناها الأمر إذا وقع بعدها المضارع، والتوبيخ إذا وقع بعدها الماضي، فإذا قلت: هلا تُسلم، فأنت حاض على ما وقع بعدها طالب له، وإذا قلت: هلا ضربت زيداً، فأت توبخ على تركه ذلك.

الصفحة 413