كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما: هي أشدّ آية في القرآن. وعن الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي منها.
[(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)].
غل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ومنه قوله تعالى:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال الإمام: استبعد من علماء أهل الكتاب عدم نهيهم عوامهم وسفلتهم عن المعاصي، وذم تارك النهي عن المنكر أقوى من مرتكبه؛ ولهذا قال في الأول: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وفي الثاني: {يَصْنَعُونَ}، والأمر في الحقيقة كذلك؛ لأن المعصية مرض الروح وعلاجه العلم بالله وصفاته وأحكامه؛ فإذا حصل ذلك ولم تزل المعصية يكون كمن شرب الدواء ولم يزل المرض، فدل ذلك على أن المرض صعب شديد.
قوله: (غل اليد وبسطها: مجاز عن البخل والجود) هذا مخالف لما في طه في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]: "لما كان الاستواء على العرش مما يردف الملك جعلوه كناية عن الملك، ونحوه قولك: يد فلان مبسوطة يد فلان مغلولة، بمعنى أنه جواز أو بخيل".
قلت: قد مر له في قوله تعالى: {لا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ} [آل عمران: 77] أن أمثال هذه النسب بالنظر إلى من يصح إجراؤها عليه: كناية عن عدم المبالاة، وبالنظر على من لا يجوز عليه النظر: مجاز.

الصفحة 414