كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [الإسراء: 29] ولا يقصد من يتكلم به إثبات يدٍ ولا غل ولا بسطٍ، ولا فرق عنده بين هذا الكلام وبين ما وقع مجازاً عنه لأنهما كلامان متعاقبان على حقيقةٍ واحدةٍ حتى أنه يستعمله في ملكٍ لا يعطي عطاءً قط ولا يمنعه إلا بإشارته من غير استعمال يدٍ وبسطها وقبضها، ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاءً جزيلاً لقالوا: ما أبسط يده بالنوال! لأن بسط اليد وقبضها عبارتان وقعتا متعاقبتين للبخل والجود، وقد استعملوهما حيث لا تصح اليد كقوله:
جَادَ الْحِمَى بَسْطُ الْيَدَيْنِ بِوَابِلِ ... شَكَرَتْ نَدَاهُ تِلَاعُه وَوِهَادُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولا فرق عنده بين هذا الكلام وبين ما وقع مجازاً عنه) يعني: سواء عند المتكلم أن يقول: فلان مغلول يده، وبين أن يقول: إنه بخيل، وكأن هذين اللفظين كالمترادفين وردا على معنى واحد وهو المنع من الإعطاء، ولما كانت الملازمة متساوية، أعني بين قوله: البخل وغل اليد، جاز استعماله تارة مجازاً وأخرى كناية بحسب مقتضى المقام.
الانتصاف: هذا المجاز يُصور الحقيقة بصورة حسية تلازمها غالباً، والصورة الحسية أثبت في الذهن من المعاني، والجود والبخل معنيان مثلا للحس، وقلت: قد أنصف وما أنصف صاحب "الانتصاف" حيث رد النبأ على التخييل والتصوير مطلقاً في كثير من المواضع من كتابه واستحسنه هاهنا، ولعل رده بحسب اللفظ لا المعنى.
قوله: (جاد الحمى) البيت. جاد: من الجود، جاد المطر فهو جائد والجمع: جود، كصاحب وصحب، والوهاد: جمع الوهدة، وهي ما اطمأن من الأرض، والتلعة: ما ارتفع منها، وقال أبو عمرو: التلاع: مجاري ما ارتفع من الأرض إلى بطون الأودية.