كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

ولقد جعل لبيد للشمال يداً في قوله:
إذْ أصْبَحَتْ بِيَدِ الشِّمَالِ زِمَامُهَا
ويقال: بسط اليأس كفيه في صدري، فجعلت لليأس الذي هو من المعاني لا من الأعيان كفان،
ومن لم ينظر في علم البيان عمى عن تبصر محجة الصواب في تأويل أمثال هذه الآية، ولم يتخلص من يد الطاعن إذا عبثت به.
فإن قلت: قد صح أن قولهم: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) عبارةٌ عن البخل. فما تصنع بقوله: (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) ومن حقه أن يطابق ما تقدمه، وإلا تنافر الكلام وزل عن سننه؟ قلت: يجوز أن يكون معناه الدعاء عليهم بالبخل والنكد، ومن ثم كانوا أبخل خلق اللَّه وأنكدهم، ونحوه بيت الأشتر:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إذ أصبحت بيد الشمال زمامها)، أوله:
وغداة ريح قد كشفت وقرة
والقرة، بالكسر: البرد، شبه الشمال ف تصرفها في القرة على حكم طبيعتها بالإنسان المتصرف لما يكون زمامه بيده، وأثبت لها على سبيل التخييل يداً - وهي من لوازم الإنسان - ليكون قرينة، وحكم الزمام في استعارته للقرة حكم اليد في استعارتها للشمال، فجعل للقرة زماماً ليكون أتم في إثباتها متصرفة، كما جعل للشمال يداً ليكون أبلغ في تصييرها متصرفة فوفى المبالغة حقها من الطرفين، والضمير في "أصبحت" و"زمامها" للقرة، وقيل: للغداة، والأول أظهر.
قوله: (بسط اليأس كفيه). قال:
وقد رابني وهن المُنى وانقباضها ... وبسط حديد اليأس كفيه في صدري

الصفحة 416