كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
بَقِيتُ وَفْري وَانْحَرَفْتُ عَنِ الْعُلَا ... وَلَقِيتُ أضْيَافِى بِوَجْهِ عَبُوسِ
ويجوز أن يكون دعاء عليهم بغل الأيدى حقيقة، يغللون في الدنيا أسارى، وفي الآخرة معذبين بأغلال جهنم: والطباق من حيث اللفظ وملاحظة أصل المجاز، كما تقول: سبني سب اللَّه دابره، أي: قطعه، لأنّ السب أصله القطع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (بقيت وفري وانحرفت عن العُلا) تمامه:
ولقيت أضيافي بوجه عبوس
وبعده:
إن لم أشن على ابن حرب غارة ... لم تخل يوماً من نهاب نفوس
"بقيت وفري وانحرفت عن العُلا": اللفظ لفظ الخبر، والمعنى معنى الدعاء، كقوله تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ}، الوفر: المال الكثير، والعبوس: الكلوح عن الغضب، وشن الغارة وأشن: إذا فرقها على العدو من كل وجه، وابن حرب: معاوية بن أبي سفيان بن حرب، يقول: ادخرت مالي ولم أفرقه فيما يكتسب لي حمداً فعل البخلاء وزهدت في اكتساب المعالي إن لم أشُن على معاوية غارة لا تخلو يوماً من اختلاس نفوس.
قوله: (والطباق من حيث اللفظ وملاحظة أصل المجاز)، يعني: تُعتبر المطابقة في قوله: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} مع قوله: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} في إرادة الحقيقة في الثاني مع ملاحظة أصل المجاز في الأول، وهو غَلُّ اليد لا البخل الذي هو المراد منه الآن، لاستوائهما في التلفظ، كما أن "سب الله" من حيث اللفظ مطابق لقوله: "سبني"، على أن المراد من سب الله قطع الدابر، وهذا نوع من المشاكلة لطيف المسلك بخلافه في قول الشاعر: