كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

فإن قلت: كيف جاز أن يدعو اللَّه عليهم بما هو قبيحٌ وهو البخل والنكد؟ قلت: المراد به: الدعاء بالخذلان الذي تقسو به قلوبهم، فيزيدون بخلاً إلى بخلهم ونكداً إلى نكدهم، أو بما هو مسببٌ عن البخل والنكد من لصوق العار بهم، وسوء الأحدوثة التي تخزيهم وتمزق أعراضهم.
فإن قلت: لم ثنيت اليد في قوله تعالى: (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) وهي مفردة في: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)؟ قلت: ليكون ردّ قولهم وإنكاره أبلغ وأدل على إثبات غاية السخاء له ونفى البخل عنه، وذلك أنّ غاية ما يبذله السخي بماله من نفسه أن يعطيه بيديه جميعاً فبني المجاز على ذلك.
وقرئ: (وَلُعِنُوا) بسكون العين. وفي مصحف عبد اللَّه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا
فإنه وضع اطبخوا موضع خيطوا لمجرد مراعاة اللفظ دون المعنى.
الانتصاف: والحق أن الله تعالى يدعو عليهم بالبخل، ودعاؤه عبارة عن خلق الشح في قلوبهم والقبض في أيديهم، فليت الزمخشري لم يتحدث في تفسير القرآن إلا من حيث علم البيان، فإنه فيه فارس الفرسان.
قوله: (المراد به: الدعاء بالخذلان). خلاصة الجواب: أنه يجوز أن يدعو عليهم بعدما يصدر منهم ما يوجبه، فإنه تعالى غنما يدعو عليهم بالخذلان إذا صدر عنهم الكفر والمعاصي وبلحوق العار إذا صدر عنهم بالخبل، وأما ابتداء فلا، هذا مذهبه.
قوله: (والنكد)، الجوهري: رجل نكد: عسر، وكدت الركية: قل ماؤها.

الصفحة 418