كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
(بل يداه بسطان) يقال: يده بسط بالمعروف. ونحوه مشية سجح، وناقة صرح.
(يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ): تأكيد للوصف بالسخاء، ودلالة على أنه لا يتفق إلا على مقتضى الحكمة والمصلحة. روى أن اللَّه تبارك وتعالى كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس ما لا، فلما عصوا اللَّه في محمد صلى اللَّه عليه وسلم وكذبوه كف اللَّه تعالى ما بسط عليهم من السعة، فعند ذلك قال فنحاص بن عازوراء: يد اللَّه مغلولة، ورضي بقوله الآخرون فأشركوا فيه.
(وَلَيَزِيدَنَّ) أي: يزدادون عند نزول القرآن لحسدهم تمادياً في الجحود وكفراً بآيات اللَّه.
(وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ) فكلمهم أبداً مختلف، وقلوبهم شتى، لا يقع اتفاق بينهم ولا تعاضد (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً): كلما أرادوا محاربة أحد غلبوا وقهروا ولم يقم لهم نصر من اللَّه على أحد قط، وقد أتاهم الإسلام وهم في ملك المجوس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (سُجُح) بضم السين والجيم ثم الحاء المهملة، الجوهري: يقال: إذا سألت فأسجح، أي: سهل ألفاظك، "وناقة سُرح" ومنسرحة، أي: سريعة، يعني: جمع الخبر والمبتدأ مفرد على تصوير الكثرة فيه مبالغة على أسلوب قوله: ومعي جياعاً.
قوله: (ودلالة على أنه لا ينفق إلا على مقتضى الحكمة والمصلحة) تقييد للمطلق، وهو {يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}، يعني: من مقتضى الحكمة ألا يؤدي بسط اليدين في العطاء إلى التبذير والإسراف والاصطناع إلى غير الهل، وهو شرط السخاء في الشاهد، وهذا تكميل لا تأكيد، كقوله:
حليم إذا ما الحلم زين أهله ... مع الحلم في عين العدو مهيب