كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ) مع ما عددنا من سيئاتهم (آمَنُوا) برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وبما جاء به، وقرنوا إيمانهم بالتقوى التي هي الشريطة في الفوز بالإيمان (لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ) تلك السيئات ولم نؤاخذهم بها (وَلَأَدْخَلْناهُمْ) مع المسلمين الجنة.
وفيه إعلامٌ بعظم معاصي اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم، ودلالة على سعة رحمة اللَّه تعالى وفتحه باب التوبة على كل عاص وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى، وأن الإيمان لا ينجي ولا يسعد إلا مشفوعاً بالتقوى، كما قال الحسن: هذا العمود فأين الأطناب؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وفيه إعلامٌ بعظم معاصي اليهود)، يعني: فيه إشارة إلى هذا المعنى على سبيل الإدماج، وذلك أنه تعالى لما عدد سيئاتهم وقبائحهم كان من حق الظاهر أن يُقال: ولو أن أهل الكتاب تابوا لكفرناها عنهم، فوضع موضع تاب: آمن، وصرح بذكر سيئاتهم إيذاناً بأن ليس لهم التنصل من تلك الذنوب العظام إلا بأن يدخلوا في الإسلام؛ لأن الإسلام يهدم ما قبله، وفي قوله: {وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} إشارة إلى أن الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم، ويؤيده ما روينا عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"، أخرجه مسلم.
قوله: (هذا العمود)، قاله للفرزدق حين اجتمع مع الحسن في جنازة، فقال: ما أعددت لهذا المقام؟ قال: شهادة ألا إله إلا الله منذ كذا سنة، فقال له: هذا العمود فأين الأطناب؟ الفاء في "فأين الأطناب" كالفاء في "خولان فانكح"؛ على تأويل: هؤلاء خولان، يعني: هذه الكلمة مستدعية للأعمال الصالحة كما أن هذه القبيلة تستوجب أن تُنكح نساؤها لجمالها، شبه الإسلام بخيمة، وجعل عمودها: كلمة التوحيد، والأعمال الصالحة: الأطناب، فكما أن الخيمة