كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ): أقاموا أحكامهما وحدودهما وما فيهما من نعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) من سائر كتب اللَّه، لأنهم مكلفون الإيمان بجميعها، فكأنها أنزلت إليهم -وقيل: هو القرآن- لوسع اللَّه عليهم الرزق وكانوا قد قحطوا. وقوله: (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ): عبارةٌ عن التوسعة، وفيه ثلاث أوجهٍ: أن يفيض عليهم بركات السماء وبركات الأرض، .......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تقوم إلا بالعمود فكذا لا يستقيم الإسلام إلا بالشهادتين، وكما لم يرتفع العمود إلا بالأطناب، كذا الكلمة لا ترتفع إلا بالعمل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، والاستقامة فيها الأوتاد، والتشبيهات مفرقة، تحقيقه: إذا اعتبر مفرداتها مستقلة، وإذا انتزع المشبه من المجموع، كان تمثيلاً، وما في قول الحسن، الشطر الأول منه التشبيه لذكر الطرفين، والثاني: استعارة؛ لأن المشبه المتروك هو الأعمال.
الانتصاف: لما اشترط في هذه الآية مجموع الإيمان والتقوى فالإجماع منا ومنه أن الإيمان يجب ما قبله، فلو مات رجل عقيب دخوله في الإيمان لكفرت عنه سيئاته ولدخل جنات النعيم، فدل على أن اجتماعهما ليس شرطاً؛ هذا إن كانت التقوى الأعمال، وإن كانت أصل وضعها في الخوف من الله، فهذا ثابت لكل مؤمن ولو قارف الكبيرة.
قوله: ({لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}: عبارة عن التوسعة) لام حسن مبين، لكن تأويله بالوجوه الثلاثة ضعيف، وذلك أن اختصاص الأكل من دون ذكر سائر المنافع لكونها أعظمها ومستتبع سائرها، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} [النساء: 10] ثم تكرير قوله: {مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} لاستيعاب جميع الأحوال والأزمان، كقوله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} [مريم: 62] يوجب ألا يقتصر على المذكورات، ولهذا قال القاضي: لوسع عليهم وجعل لهم خير الدارين.