كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: هذا في حق من عدد سيئاتهم من أهل الكتاب إذا أقاموا مجرد حدود التوراة والإنجيل، فما ظنك بالسالك العارف إذا قمع هوى النفس وانكمش من عالم الإدبار إلى معارج القدس معتصماً بحبل الله وسنة حبيب الله؟ فإنه تعالى يُفيض على قلبه سجال فضائله وسائب بركاته، فتكمن فيه كمون الأمطار في الأراضي فتظهر ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه كلها، وفي تعليق الأكل من فوق على إقامة التوراة والإنجيل ومن تحت الأرجل، واختصاص {مِنْ} الابتدائية ما يلوح إلى معنى قوله: "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم"؛ لأنهم إذا أقاموا العمل بكتاب الله استنزل ذلك من فوقهم البركات، فإذا استجدوا العمل بتلك البركات المنزلة وأقاموا عليها بثبات أقدامهم الراسخة استنزل لهم من الله بركات هي أزكى من الأولى، فلا يزال العمل والعلم يتناوبان إلى أن ينتهي السالك على مقام القرب ومنازل العارفين، وفي ذكر الأرجل إشارة إلى حصول ثبات القدم ورسوخ العلم، وفي اقترانها مع "تحت" دلالة على مزيد الثبات، وأنهم من الراسخين المقتبسين علومهم من مشكاة النبوة دون المتزلزلين الذين أخذوا علومهم من الأوهام، ولهذا كتب بعض العارفين بهذه الآية إلى الإمام إرشاداً له إلى معرفة طريقة أهل الله تعالى.
فإن قلت: كيف تلتئم هذه الآية مع السابقة، وهي قوله: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا}؟ قلت: الآيتان واردتان على إظهار الشكوى، ناعيتان قبائحهم، فقيل أولاً: ولو أن أهل الكتاب آمنوا برسول الله وبما جاء به من المعجزات التي ثبتت بمثلها الرسالة كسائر الناس، وخافوا الله وتركوا العناد، لكفر الله عنهم تلك القبائح، ثم ثنى على الترك، أي: دعوا تلك الدلائل الباهرة! ولو أنهم عملوا بمقتضى ما عندهم من النصوص

الصفحة 423