كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
قلت: فيه وجهان؛ أحدهما: أنه إذا لم يمتثل أمر اللَّه في تبليغ الرسالات وكتمها كلها كأنه لم يبعث رسولاً كان أمراً شنيعاً لا خفاء بشناعته. فقيل: إن لم تبلغ منها أدنى شيءٍ وإن كان كلمةً واحدة فأنت كمن ركب الأمر الشنيع الذي هو كتمان كلها، ......
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقلت: روى السلمي، عن جعفر في قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10] قال: بلا واسطة فيما بينه وبينه سراً إلى قلبه، ولا يعلم به أحدٌ سواه إلا في العقبى حتى يعطيه الشفاعة لأمته، وقال الواسطي: ألقى إلى عبده ما ألقى ولم يظهر ما الذي أوحى لأنه خصه به، وما كان مخصوصاً به كان مستوراً، وما بعثه الله إلى الخلق كان ظاهراً.
وإلى هذا يُنظر معنى ما روينا في "صحيح البخاري" عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم. قال البخاري: البُلعوم: مجرى الطعام.
قوله: (إن لم تُبلغ منها أدنى شيء وإن كان كلمة واحدة، فأنت كمن ركب الأمر الشنيع)، قال ابن الحاجب: الشرط والجزاء إذا اتحدا كان المراد بالجزاء المبالغة، فوضع قوله: {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} موضع أمر عظيم، أي: فإن لم تفعل فقد ارتكبت أمراً عظيماً.
الانتصاف: قال: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ}، ولم يقل: وإن لم تبلغ ليتغايرا لفظاً وإن اتحدا معنى، وهو أحسن بهجة من تكرار اللفظ الواحد في الشرط والجزاء، وهذا من محاسن علم البيان.
وقال الإمام: الجمهور على أن المراد من قوله: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}: إن لم