كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تبلغ واحداً منها كنت كمن لم يبلغ شيئاً منها، وهذا ضعيف، لأن من أتى بالبعض وترك البعض فلو قيل: إنه ترك الكل لكان كذباً، ولو قيل أيضاً: إن مقدار الجرم في ترك البعض مثل مقدار الجرم في ترك الكل، لكان هذا أيضاً محالاً.
وقال القاضي: معناه: أن كتمان بعضها يُضيع ما أُدي منها، كترك بعض أركان الصلاة، فإن غرض الدعوة ينتقض منه، أو يقال: إن لم تفعل كأنك ما بلغت شيئاً منها، كقوله تعالى: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} من حيث إن كتمان البعض والكل سواء في الشناعة واستجلاب العذاب.
وقلتُ: والذي عليه كلام المصنف أنه صلوات الله عليه وسلامه كان مأموراً بتبليغ ما أنزل الله تعالى إليه، وهو إنما يكون ممتثلاً للأمر إذا لم يخالف شيئاً من المأمور به، وإليه الإشارة بقوله: "فلم تُبلغ إذاً ما كلفت من أداء الرسالات ولم تؤد منها شيئاً قط، وذلك أن بعضها ليس أولى من بعض بالأداء". ومن ثم شبه المسألة بالإيمان في قوله: "كما أن من لم يؤمن ببعضها كان من لم يؤمن بكلها"، وذكر في "النساء" أن إيمان أهل الكتاب ببعض الكتب لا يصح إيماناً به، لأن طريق الإيمان إنما هو المعجزة، ولا اختصاص لها ببعض الكتب دون بعض، فلو كان إيمانهم بما آمنوا به إيماناً لأجل المعجزة لآمنوا به كله، فحين آمنوا ببعضه عُلم أنهم لم يعتبروا المعجزة، فلم يكن إيمانهم إيماناً، هذا هو المعنى بقوله في هذا المقام: "لإدلاء كل منها بما يدليه غيرها". وفي تمثيل المسألة بالإيمان نكتة سرية، وهي كما أن على الرسول إبلاغ الكل كذا على المرسل إليه الإيمان بالله، والضمير في "منها" و"غيرها" راجعٌ إلى الرسالات. المُغرِب: يقال: فلان يدلي إلى الميت بذكر، أي: يتصل، ودلى من السطح حبلاً، أي: أرسله فتدلى.