كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
فإن قلت: فلو قيل: "والصابئين وإياكم" لكان التقديم حاصلاً. قلت: لو قيل هكذا لم يكن من التقديم في شيءٍ، لأنه لا إزالة فيه عن موضعه، وإنما يقال مقدّم ومؤخر للمزال لا للقارّ في مكانه، ومجرى هذه الجملة مجرى الاعتراض في الكلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما مضى، فكأنه قال كذلك، فكذلك هاهنا كأنه قيل: الذين آمنوا والذين هادوا. ولا يلزم هاهنا إعمال عاملين مختلفين؛ لأن الخبر، وهو: {مَنْ آمَنَ} إلى آخره، جُعل خبراً لـ"الصابئون والنصارى"، وخبر {إنَّ} محذوف بدلالة المذكور بعده، وأما فائدة العدول عن النصب إلى الرفع فهي أن مظنة العفو والتجاوز في حق المنافقين وهم المعنيون بـ {الَّذِينَ آمَنُوا} على ما قيل، وفي حق اليهود، أبعد منها في حق الصابئين والنصارى؛ لأن عناد الفريقين واستهزاءهما أكبر، فوجب في حقهما أن يُذكرا في صدر الكلام، ولا يجب في الأخيرين.
قلت: هذا الكلام مبني على أن "النصارى" معطوف على "الصابئون"، لا على {الَّذِينَ هَادُوا}، ولكن سياق الآية يأبى هذا التقدير؛ لأنها سيقت في شأن أهل الكتاب، وذكر "الصابئون" استطراداً، ويدل عليه قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ}، وكذا الآيات السابقة واللاحقة، وحين كان السياق في سورة الحج على العموم جيء بـ "الصابئين" منسوقاً نسق أخواته، وهاهنا "النصارى" عطف على {الَّذِينَ هَادُوا} لا على "الصابئون"؛ لأنهما مقصودان بالذكر متبوعان دونه فلابد من التزام التقديم.
قوله: (ومجرى هذه الجملة مجرى الاعتراض في الكلام)، وذلك أن الاعتراض هو مما يتخلل في أثناء الكلام لتأكيد مضمون المعترض فيه، وهذا تأكيد لما يلزم من إيراد الكلام لا من مضمونه، ومن ثم قال: كان جارياً "مجرى الاعتراض"، وقلنا: إنه استطراد.
الانتصاف: صدق الزمخشر، لكن يرد عليه أنه لو عطف "الصابئين" ونصبه كما قرأ