كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
فإن قلت: كيف قال: (الَّذِينَ آمَنُوا) ثم قال: (مَنْ آمَنَ)؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما: أن يراد بـ (الذين آمنوا): الذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون، وأن يراد بـ (من آمن): من ثبت على الإيمان واستقام ولم يخالجه ريبة فيه.
فإن قلت: ما محل (من آمن)؟ قلت: إما الرفع على الابتداء وخبره (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، ثم الجملة كما هي خبر (إن) وإما النصب على البدل من اسم (إن) وما عطف عليه، أو من المعطوف عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن كثير، لأفاد دخولهم في جملة المتوب عليهم، وفُهم من تقديم ذكرهم على "النصارى" ما يُفهم من الرفع، وهو أنهم أوغل في الكفر، وقد تيب عليهم، فالنصارى أولى، ويكون الكلام جملة واحدة مختصرة، والعطف إفرادي، فلم عدل إلى جعله جملتين؟ وجوابه: أنه لو عطفه ونصبه لم يحصل فهم الخصوصية لهؤلاء؛ لأن الأصناف كلها عطف بعضها على بعض عطف المفردات، وهذا الصنف من جملتها، والخبر عنها واحد، وأما الرفع فيقطع عن العطف الإفرادي، وتختص بقية الأصناف بالخبر المذكور، وخبر هذا الصنف مفرد مستقل فيقيد المقصود السابق ذكره، ويفهم من تقديم الخبر من قوة الدلالة ما لا يفيده تأخيره.
وأما قراءة ابن كثير - وإن كان هو من الأئمة - فشاذة بحمل النصب على الاختصاص، أي: أذكر، لئلا تكون مخالفة لقراءته المشهورة ولسائر الأئمة.
قوله: (فيه وجهان)، والظاهر يوهم أنه جواب واحد، لكن المراد من الإيراد: أن {الَّذِينَ آمَنُوا} إن أريد به المنافقون يحمل قوله: {مَنْ آمَنَ} على من أخلص الإيمان، وإن أُريد به المؤمنون الخلص يحمل {مَنْ آمَنَ} على من ثبت على الإيمان، والجواب الأول أقرب إلى الغرض؛ لأن الذي سيقت الآية له التشديد على اليهود والنصارى، فإنهم مع ذلك إن آمنوا