كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
(يستهزيون)، (والصابون) وهو من: صبوت؛ لأنهم صبوا إلى اتباع الهوى والشهوات في دينهم ولم يتبعوا أدلة العقل والسمع. وفي قراءة أبيّ رضي اللَّه عنه: (والصابئين) بالنصب، وبها قرأ ابن كثيرٍ، وقرأ عبد اللَّه: (يا أيها الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون).
[(لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ)].
(لَقَدْ أَخَذْنا) ميثاقهم بالتوحيد (وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا) ليقفوهم على ما يأتون وما يذرون في دينهم. (كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ) جملة شرطية وقعت صفة لـ (رسلاً) والراجع محذوف؛ أي: رسول منهم (بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ): بما يخالف هواهم ويضادّ شهواتهم من مشاق التكليف والعمل بالشرائع.
فإن قلت: أين جواب الشرط، فإن قوله: (فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) ناب عن الجواب، لأن الرسول الواحد لا يكون فريقين ولأنه لا يحسن أن تقول إن أكرمت أخى أخاك أكرمت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولأنه لا يحسن أن تقول: إن أكرمت أخي، أخاك أكرمت). قال صاحب "التقريب": إنما لم يحسن لأن محل تأثير الشرط هو الفعل، وبتقدم المفعول يبعد عن المؤثر، ولأنها تتوهم بادي الرأي بتقدم المفعول شبهها بالجملة الاسمية التي يجب فيها الفاء.
وقلت: الظاهر أن المراد من السؤال برمته طلب المطابقة ومراعاة المناسبة بين الشرط والجزاء من حيث المعنى لا تصحيحه من جهة الإعراب، ومن ثم قال: "لا يحسن"، ألا ترى كيف ذهب أبو البقاء والقاضي إلى أن جواب الشرط: {كَذَبُوا}، وتقدير السؤال من وجهين: