كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحدهما: أن المذكور في الشرط رسول واحد؛ لأن قوله: {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ} بيان لقوله: {وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً} وتفصيل لصيغة الجمع، أي: كلما جاءهم رسول من الرسل، وفي المذكور فريقان منهم فلا مطابقة.
وثانيهما: أن تقديم المفعول مفيد للاختصاص ولا دلالة في الشرط عليه، والواجب المطابقة أيضاً.
وأجاب عنه: أن الجواب محذوف والجملة مستأنفة على تقدير الجواب عن سؤال مورده الجملة الشرطية مع موصوفها، وذلك أن في إيقاع قوله: "كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم ناصبوه" بعثاً للسامع على أن يقول: كيف كانت مناصبتهم معهم وهم جاؤوا تترى أشتاتاً؟ فقيل مجيباً: بذلوا جهدهم في تكذيب فريق، وانتهزوا فرصاً لقتل آخرين بما أمكن من الكيد، وأما تقديم المفعول في قوله: "فريقاً يقتلون" فللمحافظة على الفاصلة، وفي {كَذَّبُوا} للمطابقة بين القرينتين، نحو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} في وجه، وعلى المثال لا تقتضي التقديم أصلاً.
وقال صاحب "الانتصاف": يدل على حذف الجواب مجيئه ظاهراً في الآية التي هي توأمة هذه: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87]، ولو قدر الزمخشري المحذوف بما ظهر في هذه فقال عوض ناصبوه: استكبروا، لكان أولى.
وقلت: لو أتى به لاحتاج إلى تأويل الاستكبار بالمناصبة؛ لأن المقاتلة والتكذيب مسبوقان بالمناصبة، والمناصبة نتيجة الاستكبار وسبب عنه، فقدر المسبب تعليلاً للاعتبار، ألا ترى كيف جيء بالفاء الفصيحة في قوله: {فَفَرِيقاً}، أي: استكبرتم فناصبتموهم {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87].

الصفحة 438