كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
قلت: هو محذوفٌ يدل عليه قوله: (فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) كأنه قيل: كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه، وقوله: (فَرِيقاً كَذَّبُوا) جواب مستأنف لقائل يقول: كيف فعلوا برسلهم؟
فإن قلت: لم جيء بأحد الفعلين ماضياً وبالآخر مضارعاً؟ قلت: جيء بـ (يقتلون) على حكاية الحال الماضية استفظاعاً للقتل، واستحضاراً لتلك الحال الشنيعة للتعجب منها.
[(وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) 71].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلت: كيف ذكر المصنف في البقرة وجهين، حيث قال: "إنما لم يقل: وفريقاً قتلتم؟ لان المراد إما حكاية الحال الماضية أو الاستمرار، أي: فريقاً تقتلونهم بعد لأنكم تحومون حول قتل محمد صلوات الله عليه وسلامه"، وقصر هاهنا على وجه واحد؟ قلت: خصص هذه الآية بحكاية حال أسلافهم لقرينة ضمائر الغيب، وترك تلك الآية على الاحتمالين لقرينة ضمائر المخاطبين، ليكون توبيخاً للحاضرين وتعبيراً لهم بفعل آبائهم، ومن ثم عقب هذه الآية بقصة عيسى عليه الصلاة والسلام وبقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} الآية [المائدة: 78]، وتلك بقوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ}، وبقوله: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} الآيات [البقرة: 88 - 89].
قوله: (ناصبوه)، الأساس: ومن المجاز: نصبنا لهم حرباً، وناصبناهم مناصبة، وناصبت لفلان: عاديته نصباً.