كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
وقرئ: (عموا وصموا) بالضم على تقدير: عماهم اللَّه وصمهم؛ أي: رماهم وضربهم بالعمى والصمم، كما يقال: نزكته: إذا ضربته بالنيزك، وركبته: إذا ضربته بركبتك. (كَثِيرٌ مِنْهُمْ): بدلٌ من الضمير، أو على قولهم: أكلوني البراغيث، أو هو خبر مبتدأٍ محذوفٍ، أي: أولئك كثير منهم.
[(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَاواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ)].
لم يفرق عيسى عليه الصلاة والسلام بينه وبينهم في أنه عبد مربوبٌ كمثلهم، وهو احتجاج على النصارى. (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ) في عبادته، أو فيما هو مختص به من صفاته أو أفعاله (فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) التي هي دار الموحدين؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (بالنيزك)، الجوهري: هو رمح قصير، فارسي معرب، وقد تكلمت به الفصحاء، وقد نزكه: إذا طعنه.
قوله: (أو فيما هو مختص به من صفاته)، هذا من حيث اللفظ كما في إطلاق "الرحمن" على غير الله، ومن حيث المعنى وصف الغير بمعرفة علم الغيب، قال في أول السورة: "الاستقسام هو: طلب ما قسم لشخص مما لم يقسم له بالأزلام"، وهو الإشراك بالله في علم الغيب، أو أن تُنسب الحوادث إلى الكواكب كما كانوا يقولونه: مطرنا بنوء كذا، وقال تعالى: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} [سبأ: 22]، أو أن تنسب الأفعال إلى العباد، كما يقوله المعتزلة، لا كما يقوله أهل السنة: إن الله تعالى خالق الجواهر والأعراض حقيقة، فلا يقال: إن العبد خالق لأفعال نفسه حقيقة.