كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
أي: حرّمه دخولها ومنعه منه، كما يمنع المحرّم من المحرّم عليه. (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ): من كلام اللَّه على أنهم ظلموا وعدلوا عن سبيل الحق فيما يقولوا على عيسى عليه السلام، فلذلك لم يساعدهم عليه ولم ينصر قولهم ردّه وأنكره، وإن كانوا معظمين له بذلك ورافعين من مقداره. أو من قول عيسى عليه السلام، على معنى: ولا ينصركم أحد فيما تقولون ولا يساعدكم عليه لاستحالته وبعده عن المعقول. أو ولا ينصركم ناصر في الآخرة من عذاب اللَّه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما يمنع المحرم) أي: حرم هنا: استعارة تبعية من المنع.
قوله: ({وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} من كلام الله تعالى)، وقيل: صح هنا "كلام الله" بغير "من"؛ لأن ما تقدم ليس كلام الله، وفي الوجه الثاني: من قول عيسى عليه الصلاة والسلام بإثبات "مِن"؛ لأن ما تقدمه في القرآن من كلام عيسى.
وقلت: وجود "مِن" وعدمها سواء في صحة المعنى؛ لأن قوله: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} تذييل للكلام السابق، وعلى أن يكون تذييلاً لقوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} كأن قوله: {وَقَالَ الْمَسِيحُ} أيضاً كلام الله حاكياً كلامه مقرراً لكلامه عز وجل، فنه تعالى لما نعى على النصارى قولهم: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} في أنها كلمة شنعاء وقائلها كافر مبالغ في وضع الشيء غير موضعه أتى بقول عيسى عليه الصلاة والسلام بياناً لتبريه عنهم وخذلانه إياهم فذيله بقوله: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} تأكيداً، وإليه الإشارة بقوله: "رده وأنكره وإن كانوا معظمين له"، وإذا كان تذييلاً لكلام عيسى عليه السلام، وأنه عليه الصلاة والسلام لما سوى بينه وبينهم في العبودية بقوله: {اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} رداً لزعمهم أن الله هو المسيح، وعلله بقوله: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَاوَاهُ النَّارُ} زيادة للتبري عنهم ذيله بقوله: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} مزيداً للتقرير، يعني أني بريء مما تقولون، ولا يصح لي أن أساعدكم