كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
[(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ* أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَاكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)].
(مِنْ) في قوله: (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) للاستغراق، وهي القدرة مع "لا" التي لنفي الجنس في قولك: لا إله إلا الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأنصركم مع هذا الظلم؛ لأن العارف العالم لا يساعد أحداً على الظلم الفاحش والباطل البين بطلانه، والوجه الأول أبلغ؛ لأن في الجملة القسمية معنى التعجبن وقد قيدت بالحال المقررة لجهة الإشكال، وهي قوله: {وَقَالَ الْمَسِيحُ}، كأنه قيل: ما أكفرهم، والحال أن عيسى عليه الصلاة والسلام وصاهم بخلافه وبالغ في الوصية وأكدها أبلغ تأكيد.
قوله: ({مِنْ} في قوله: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ} للاستغراق، وهي المقدرة مع "لا" التي لنفي الجنس في قولك: لا إله إلا الله). قال صاحب "الإقليد": إن إفادة "مِن" الاستغراقية الاستغراق لأنها تدخل لابتداء الجنس إلى انتهائه، فقولك: هل من رجل؟ تقديره: هل من واحد هذا الجنس إلى أقصاه؟ إلا أنه اكتفى بذكر "مِن" عن ذكر "إلى" لدلالة إحدى الغايتين على الأخرى، وإنما قيل: إن مثل "لا رجل" متضمن لمعنى "مِنَ" الاستغراقية؛ لأن "لا رجل في الدار" أبلغ في النفي من "لا رجل في الدار" بالرفع، ومن "ليس رجل في الدار"، ولا يمكن تقدير ما يكون به كذلك إلا بحرف مؤكد مثبت للاستغراق، فوجب تقدير "مِن"، ولو كانت "لا" مفيدة للاستغراق لذاتها لما جاز قولهم: لا رجل في الدار بل رجلان.
فإن قلت: هذا مخالف لقوله في آل عمران: "ومن" في "ما من إله إلا الله" بمنزلة البناء على الفتح في قوله: "لا إله إلا الله" في إفادة معنى الاستغراق"، قلت: قد وجه هناك أن الفتح