كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

فإن قلت: فهلا قيل: وللكافرين عذابٌ أليمٌ؟ قلت: في إقامة الظاهر مقام المضمر فائدة، وهي تكرير الشهادة عليهم بالكفر في قوله: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا) وفي البيان فائدةٌ أخرى، وهي الإعلام في تفسير (الذين كفروا منهم) أنهم بمكانٍ من الكفر، والمعنى: ليمسنّ الذين كفروا من النصارى خاصة (عَذابٌ أَلِيمٌ) أي: نوع شديد الألم من العذاب كما تقول: أعطني عشرين من الثياب؛ تريد: من الثياب خاصةً لا من غيرها من الأجناس التي يجوز أن يتناولها "عشرون"، ويجوز أن تكون للتبعيض على معنى: ليمسنّ الذين بقوا على الكفر منهم؛ لأنّ كثيراً منهم تابوا من النصرانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وفي البيان فائدة أخرى، وهي الإعلام في تفسير {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ} أنهم بمكان من الكفر)، يعني: لما ذكر أولاً {لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} على أن التعريف للجنس مبهماً ومعمماً ثم أوقع قوله: {مِنْهُمْ} تفسيراً للمبهم وتخصيصاً للعام، أفاد أنهم علم في الكفر وبمكان منه، قال في قوله تعالى: {أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ} [الشعراء: 10 - 11]: "سجل عليهم الظلم بأن قدم {الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، ثم عطفهم عليهم عطف البيان، كأن معنى {الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وترجمته: {قَوْمَ فِرْعَوْنَ} ".
وقال في الفاتحة: "قولك: هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم؟ فلان أبلغ من فلان الأفضل؛ لأنك ثنيت ذكره مجملاً أولاً ومفصلاً ثانياً، وأوقعت فلاناً تفسيراً للأكرم والأفضل، فجعلته علماً في الكرم والفضل".
ويمكن أن يُقال: إنه من باب رأيت منك أسداًن فجرد من نفس النصارى الذين كفروا، فعُلم أنهم من جنس {الَّذِينَ كَفَرُوا}، مبالغة لكمال الكفر فيهم.
قوله: (ليمسن الذين بقوا على الكفر منهم) فالتعريف على هذا: للعهد، قال أبو البقاء: منهم: في موضع الحال، إما من {الَّذِينَ} أو من ضمير الفاعل في {كَفَرُوا}.

الصفحة 446