كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

(أَفَلا يَتُوبُونَ): ألا يتوبون بعد هذه الشهادة المكرّرة عليهم بالكفر، وهذا الوعيد الشديد مما هم عليه، وفيه تعجب من إصرارهم (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ): يغفر لهؤلاء إن تابوا ولغيرهم.
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) صفة لـ (رسول) أي: ما هو إلا رسولٌ من جنس الرسل الذين خلوا من قبله، جاء بآياتٍ من اللَّه كما أتوا بأمثالها، أن أبرأ اللَّه الأبرص وأحيا الموتى على يده، فقد أحيا العصا وجعلها حيةً تسعى، وفلق بها البحر وطمس على يد موسى، وإن خلقه من غير ذكر، فقد خلق آدم من غير ذكر ولا أنثى. (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) أي: وما أمه أيضاً إلا كبعض النساء المصدّقات للأنبياء، المؤمنات بهم، فما منزلتهما إلا منزلة بشرين، أحدهما نبي، والآخر صحابي، فمن أين اشتبه عليكم أمرهما حتى وصفتموهما بما لم يوصف به سائر الأنبياء وصحابتهم مع أنه لا تميز ولا تفاوت بينهما وبينهم بوجه من الوجوه؟ !
ثم صرح ببعدهما عما نسب إليهما في قوله: (كانا يَاكُلانِ الطَّعامَ) لأنّ مَنِ احتاج إلى الاغتذاء بالطعام وما يتبعه من الهضم والنفض لم يكن إلا جسماً مركباً من عظمٍ ولحمٍ وعروقٍ وأعصابٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ألا يتوبون؟ ) فسر {أَفَلا يَتُوبُونَ} به للإيذان بأن الهمزة للإنكار، ولا: نافية، والفاء: عاطفة على محذوف، أي: أيصرون فلا يتوبون؟ ففيه معنى التعجب على الإصرار والتحضيض على التوبة.
قوله: (ثم صرح ببعدهما عما نسب إليهما). قال القاضي: بين أولاً أقصى ما لهما من الكمالات، ودل على أنه لا يوجب لهما الألوهية؛ لأن كثيراً من الناس يشاركهما، ثم نبه على نقصهما، وذكر ما ينافي الربوبية ويقتضي أن يكونا من عداد المركبات، وقلت: يمكن أن تكون

الصفحة 447