كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

وأخلاطٍ وأمزجةٍ مع شهوةٍ وقرمٍ وغير ذلك؛ مما يدل على أنه مصنوع مؤلف مدبر كغيره من الأجسام.
(كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ) أي: الأعلام من الأدلة الظاهرة على بطلان قولهم أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله؟
فإن قلت: ما معنى التراخي في قوله: (ثم انظر)؟ قلت: معناه ما بين العجبين؛ يعني أنه بين لهم الآيات بياناً عجيباً، وأنّ إعراضهم عنها أعجب منه.
[(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)].
(ما لا يَمْلِكُ) هو عيسى، أي: شيئاً لا يستطيع أن يضركم بمثل ما يضركم به اللَّه من البلايا والمصائب في الأنفس والأموال، ولا أن ينفعكم بمثل ما ينفعكم به من صحة الأبدان والسعة والخصب، ولأنّ كل ما يستطيعه البشر من المضارّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الآية على منوال قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة: 43]، رفع من شأنهما أولاً بأقصى ما لهما من الكمال، ثم جيء بالمطلوب، وهو إبطال إلهيتهما بأدنى ما لهما من النقصان لئلا يوحشهما إذا ووجها به ابتداء.
قوله: (وقرم)، الجوهري: القرم، بالتحريك شدة شهوة اللحم، وقد قرمت إلى اللحم، بالكسر: إذا اشتهيته.
قوله: (ولأن كل ما يستطيعه البشر) عطف على جملة قوله: "شيئاً لا يستطيع" من حيث المعنى، ومعلله محذوف، المعنى: لم تعبدون شيئاً لايستطيع أن يضركم ولا أن ينفعكم بمثل ما يملكه الله؟ أو: لم تعبدون ما لا يستطيع شيئاً من النفع والضر البتة؟ أي: العاجز؛ لأن كل

الصفحة 448