كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما يستطيعه البشر فبإقدار الله وتمكينه، وإنما علل هذا الوجه دون الأول لأن عندهم البشر قادر على الأفعال، فأزال ذلك بقوله: "إن ذلك بإقدار الله تعالى وتمكينه". وأما الأول فاستغنى عنه بقوله: "وهذا دليل قاطع"، لاشتراكه في الوجهين، وعلى الأول: {مَا} في {مَا لا يَمْلِكُ} عامة في جميع الأشياء، نبه به على أن عيسى من جملة المخلوقين فلايصلح للإلهية، وأن يكون شريكاً لله؛ لأنه لا يضركم ولا ينفعكم بمثل ما يضركم به الله وينفعكم.
قال القاضي: وإنما قال: {مَا}، نظراً إلى ما هو عليه في ذاته توطئة لنفي القدرة عنه رأساً وتنبيهاً على أنه من هذا الجنس، ومن كان له حقيقة تقبل المجانسة والمشاركة فبمعزل عن الألوهية، وإنما قدم الضر لأن التحرز عنه أهم من تحري النفع، وعلى الثاني: "ما" وصف جيء به تحقيراً؛ أي: أتعبدون من دون الله هذا الموصوف الذي لا يملك نفعاً ولا ضُراً؟ وعلى هذين الوجهين بني المصنف قوله: {وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} على اللف والنشر حيث قال أولاً: " {هُو}: متعلق بـ {أَتَعْبُدُونَ} "، فيكون حالاً مقررة لجهة الإشكال تهديداً ووعيداً، وإليه الإشارة بقوله: "أتشركون بالله ولا تخشونه وهو الذي يسمع ما تقولون؟ "، وقال ثانياً: "أتعبدون العاجز؟ " فيون حالاً من معنى {لا يَمْلِكُ}، ولهذا قال: "أتعبدون العاجز والله هو السميع العليم؟ " تعبيراً وتجهيلاً، ألا ترى كيف صرح بقوله: "العاجز" ليبرشدك بأن {مَا} يُراد بها الوصف.
فإن قلت: هب أن قوله: {السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} دل على التهديد؛ لأن السامع العالم إذا سمع وعلم ما يفعله المجرم يجازيه عليه، فكيف دل على التعبير؟ قلت: إذا دل على القدرة كما قال: "ولن يكون كذلك إلا وهو حي قادر" جاء التعبير كقوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} [الصافات: 125]، ومثل هذين الوجهين سبق في البقرة عند قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: 116].