كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
في تحصيل حججه كما يفعل المتكلمون من أهل العدل والتوحيد رضوان اللَّه عليهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما يفعل المتكلمون من أهل العدل والتوحيد)، الانتصاف: يعني بهم المعتزلة الذين غلوا في التوحيد، فجحدوا الصفات، وغلوا في العدل فجعلوا إرادة الحق جل جلاله مغلوبة بإرادة العبد، يعني بأهل البدع من عداهم، الذين أثبتوا الصفات ولم يثبتوا خالقاً سوى الله تعالى.
وقلت: معنى قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} ومعنى قوله في النساء: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} [النساء: 171] واحد، وقد قال المصنف: "غلت اليهود في حط المسيح من منزلته حيث جعلوه مولوداً لغير رشدة، وغلت النصارى في رفعه عن مقداره حيث جعلوه إلها"، والطريق القصد هو ما عليه المسلمون، كذلك القدرية يثبتون القدرة لغير الله مطلقاً، والجبرية يسلبون القدرة من الغير رأساً، وأهل السنة على الصراط المستقيم، وكذلك المعطلة لا يثبتون لله تعالى صفات، والمجسمون يشبهونه بالخلق، وأهل السنة اختاروا القصد والطريق السوي، فالمناسب أن يجعل {غَيْرَ الْحَقِّ}: مصدراً مؤكداً من حيث المعنى لا صفة للمصدر، لأن الغلو لا يكون حقاً.
قال الراغب: الغلو: تجاوز الحد، من قولهم: غلا السهم وغلا السعر، ويستعمل في الإفراط دون التفريط، وكلاهما مذمومان، والخطاب لليهود والنصارى، فالنصارى غلوا في رفعه، واليهود في وضعه، وإنما جمع الهوى بينهما، على أنهم متفاوتو المراد في باطلهم.