كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

وغلوٌّ باطلٌ: وهو أن يتجاوز الحق ويتخطاه بالإعراض عن الأدلة واتباع الشبه، كما يفعل أهل الأهواء والبدع.
(قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) هم أئمتهم في النصرانية، كانوا على الضلال قبل مبعث النبي صلى اللَّه عليه وسلم. (وَأَضَلُّوا كَثِيراً) ممن شايعهم على التثليث. (وَضَلُّوا) لما بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم (عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ): حين كذبوه وحسدوه وبغوا عليه.
[(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ* كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ* تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ* وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) 78 - 81].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ({وَضَلُّوا}: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم). أسند {ضَلُّوا} أولاً إلى أسلافهم، وثانياً إلى أعقابهم لئلا يلزم التكرار فيكون الخاطبون غيرهم، وقال الراغب: فيه وجوه: الأول: اريد: قد ضلوا عن سواء السبل، فلما فصل بينه وبين ما يتعلق به أعيد ذكره، كقوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ} [آل عمران: 188]، الثاني: أن الضال قد يعتقد أنه لا يضل غيره، وهو ضال بذلك، فبين الله تعالى أن هؤلاء ضلوا في أنفسهم وضلوا بإضلالهم غيرهم، كقوله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25]، والثالث: أن لله تعالى هاديين: العقل والرسول، والعقل مقدم على الرسول من حيث إنه بالعقل يهتدي إلى معرفة الرسول، فقوله: {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ} إشارة إلى ضلالهم عن مقتضى العقل، {وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}: إلى ما أتى به الرسول.

الصفحة 452