كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

نزّل اللَّه لعنهم في الزبور (عَلى لِسانِ داوُدَ) وفي الإنجيل على لسان عيسى.
وقيل: إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت قال داود عليه السلام: اللهم العنهم واجعلهم آية؛ فمسخوا قردةً، ولما كفر أصحاب عيسى عليه السلام بعد المائدة قال عيسى عليه السلام: اللهم عذب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذاباً لم تعذبه أحداً من العالمين، والعنهم كما لعنت أصحاب السبت، فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل، ما فيهم امرأة ولا صبيّ.
(ذلِكَ بِما عَصَوْا) أي: لم يكن ذلك اللعن الشنيع الذي كان سبب المسخ، إلا لأجل المعصية والاعتداء، لا لشيءٍ آخر، ثم فسر المعصية والاعتداء بقوله: (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ) لا ينهى بعضهم بعضاً (عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ). ثم قال: (لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) للتعجيب من سوء فعلهم مؤكداً لذلك بالقسم. فيا حسرةً على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المناكير وقلة عبثهم به، كأنه ليس من ملة الإسلام في شيءٍ مع ما يتلون من كلام اللَّه وما فيه من المبالغات في هذا الباب.
فإن قلت: كيف وقع ترك التناهى عن المنكر تفسيراً للمعصية والاعتداء؟ قلت:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إلا لأجل المعصية [والاعتداء] لا لشيء آخر). الحصر مستفاد من إيقاع اسم الإشارة استئنافاً والجار والمجرور خبراً له بعد إثبات اللعن والطرد لهم على المبالغة، كأن السامع لما وقف على ما فُعل بهم من اللعن والطرد على لسان نبيين معظمين، استعظم ذلك وتوهم أن له أسباباً شتى فقال: ما سبب ذلك الأمر الفظيع والخطب الهائل؟ فقيل: ذلك بسبب عصيانهم واعتدائهم، وهو عدم التناهي عن المناكير.
قوله: (وقلة عبثهم به) أي: عدم مبالاتهم، ما عبثت بفلان؛ أي: ما باليت به.

الصفحة 453