كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

من قبل أنّ اللَّه تعالى أمر بالتناهى، فكان الإخلال به معصية وهو اعتداء، لأنّ في التناهى حسبما للفساد فكان تركه على عكسه.
فإن قلت: ما معنى وصف المنكر بـ (فعلوه) ولا يكون النهى بعد الفعل؟ قلت: معناه لا يتناهون عن منكر فعلوه، أو عن مثل منكرٍ فعلوه، أو عن منكرٍ أرادوا فعله، كما ترى أمارات الخوض في الفسق وآلاته تسوّى وتهيأ فتنكر، ويجوز أن يراد: لا ينتهون ولا يمتنعون عن منكرٍ فعلوه، بل يصبرون عليه ويداومون على فعله، ........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ما معنى وصف المنكر بـ {فَعَلُوهُ}؟ ) يعني: لا يصح أن يكون {فَعَلُوهُ} صفة لـ {مُنكَرِ}؛ لأن التناهي عن منكر قد سبق ومضى محال.
قوله: (معناه: لا يتناهون عن معاودة منكر فعلوه). قال صاحب "الانتصاف": وفي توبيخهم إشعار بأنهم فعلوا المنكر، وبأنهم لم ينهوا عن أمثاله في المستقبل، ولولا زيادة {فَعَلُوهُ} لما صرح بوقوعها منهم، ودلت الآية على أن متعلق النهي فعل ضد المنهي عنه؛ لأنه عبر عن ترك التناهي بقوله: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}، فسماه بقوله: {لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ}، إلى قوله: {يَصْنَعُونَ} [المائدة: 63]، وهو أبلغ؛ لأن الصنع أبلغ. ثم كلامه.
ويجوز أن يجري {لا يَتَنَاهَوْنَ} على حكاية الحال الماضية لاكتنافه بالماضيين، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ} [فاطر: 9]؛ تصويراً لتناهيهم في التواني عن التناهي عنالأفعال الشنيعة، وهي تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لينزجر السامع عن ارتكاب مثلها.
قوله: (ويجوز أن يُراد) عطف على معنى قوله: "لا ينهى بعضهم بعضاً"، فوضع يتفاعلون

الصفحة 454