كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

يقال: تناهى عن الأمر وانتهى عنه إذا امتنع منه وتركه.
(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ): هم منافقو أهل الكتاب، كانوا يوالون المشركين ويصافونهم. (أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) هو المخصوص بالذمّ، ومحله الرفع، كأنه قيل: لبئس زادهم إلى الآخرة سخط اللَّه عليهم. والمعنى: موجب سخط اللَّه (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ) إيماناً خالصاً غير نفاق ما اتخذوا المشركين (أَوْلِياءَ) يعني: إنّ موالاة المشركين كفى بها دليلاً على نفاقهم، وإنّ إيمانهم ليس بإيمانٍ. (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ): متمرّدون في كفرهم ونفاقهم. وقيل معناه: ولو كانوا يؤمنون باللَّه وموسى كما يدّعون، ما اتخذوا المشركين أولياء كما لم يوالهم المسلمون.
[(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ* وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ* وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ* فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) 82 - 86].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضع يفعلون للمبالغة، كما سبق في {يُخَادِعُونَ اللَّهَ}، كأنهم كانوا في ارتكابهم المناكير مع دواعيهم وآرائهم بمنزلة الأمر الراكب، وإلى المبالغة أشار بقوله: "بل يصبرون ويداومون".
قوله: (وقيل: معناه: ولو كانوا يؤمنون بالله وموسى): عطف على قوله: " {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ} إيماناً خالصاً"، والمراد بـ "النبي": محمد صلى الله عليه وسلم، وبـ"ما أنزل": القرآن، وعلى هذا المراد بـ "النبي": موسى، وبـ "ما أنزل": التوراة.

الصفحة 455