كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

علماء وعباداً (وَأَنَّهُمْ) قومٌ فيهم تواضع واستكانةٌ، ولا كبر فيهم، واليهود على خلاف ذلك. وفيه دليل بين على أنّ التعلم أنفع شيءٍ وأهداه إلى الخير، وأدله على الفوز حتى علم القسيسين، وكذلك غم الآخرة والتحدّث بالعاقبة، وإن كان في راهبٍ، والبراءة من الكبر وإن كانت في نصراني، ووصفهم اللَّه برقة القلوب وأنهم يبكون عند استماع القرآن، وذلك نحو ما يحكى عن النجاشيّ رضي اللَّه عنه أنه قال لجعفر بن أبي طالب - حين اجتمع في مجلسه المهاجرون إلى الحبشة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وربك، وقالت النصارى: نحن أنصار الله، وأما التي مرت {وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة: 14] فللتنبيه على أنهم ما وفوا بما عاهدوا عليه، وها هنا لبيان أنهم أقرب حالاً من اليهود.
قوله: ({وَأَنَّهُمْ} قوم فيهم تواضع واستكانة ولا كبر فيهم) تفسير لقوله: {وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}، وكان من الظاهر أن يُقال: بأن بعضهم قسيسين ورهباناً وكلهم متواضعون، فعدل إلى ما عليه التلاوة من إعادة "أن" والإتيان بالمضارع لمزيد التحقيق والدلالة على الاستمرار، وأنهم قوم عادتهم التواضع، نحو: فلان يقري الضيف.
قوله: (وكذلك غم الآخرة) عطف على "أن العلم"، "والبراءة من الكبر"عطف على "غم الآخرة"، وذلك وصف لـ {قِسِّيسِينَ}، وذاك لـ "رهبانا"، وهذا لعامتهم، أي: فيه دليل بين على أن العلم وغم الآخرة والبراءة من الكبر أنفع شيء وأهداه إلى الخير وأدله علىلفوز.
قوله: (ما يحكى عن النجاشي) ستجيء قصته مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما في سورة التوبة عند قوله: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ} [التوبة: 100].

الصفحة 457