كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

فإن قلت: أي: فرق بين "مِن" و"مِن" في قوله (مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ)؟ قلت: الأولى: لابتداء الغاية على أن فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق، وكان من أجله وبسببه، والثانية: لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا. وتحتمل معنى التبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق، فأبكاهم وبلغ منهم، فكيف إذا عرفوه كله وقرءوا القرآن وأحاطوا بالسنة؟
وقرئ (ترى أعينهم) على البناء للمفعول.
(رَبَّنا آمَنَّا) المراد به إنشاء الإيمان، والدخول فيه. (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ): مع أمّة محمدٍ صلى اللَّه عليه وسلم الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة. (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة: 143] وقالوا ذلك؛ لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك.
(وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ): إنكارٌ استبعادٌ لانتفاء الإيمان مع قيام موجبه وهو الطمع في إنعام اللَّه عليهم بصحبة الصالحين: وقيل: لما رجعوا إلى قومهم لاموهم فأجابوهم بذلك، أو أرادوا: وما لنا لا نؤمن باللَّه وحده لأنهم كانوا مثلثين، .........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والثانية: المحولة: فاضت عينه دمعاً، حول الفاعل تمييزاً مبالغة، والثالثة: فاضت عينه من الدمع فلم ينبه على الأصل كما في الثانية، بل أبزر به تعليلاً، وهذا أبلغ؛ لأن التمييز قد اطرد وضعه في هذا الباب موضع الفاعل، نحو: تصبب زيد عرقاً، واشتعل الرأس شيباً، وتفجرت الأرض عيوناً، والتعليل لم يعهد فيه ذلك، فيجوز: فاضت عينه من ذكر الله، كما تقول: فاضت من الدمع، وقد نبه المصنف بقوله: "من أجله وبسببه" على أن من الابتدائية سببيه.
قوله: (وقيل: لما رجعوا). الضمير للوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند النجاشي.

الصفحة 459