كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
أو ولا تسرفوا في تناول الطيبات، أو جعل تحريم الطيبات اعتداء وظلماً، فنهى عن الاعتداء ليدخل تحته النهى عن تحريمها دخولاً أولياً لوروده على عقبه، أو أراد: ولا تعتدوا بذلك (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) أي: من الوجوه الطيبة التي تسمى رزقاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعدو عداء واعتدى عليه بمعنى، فعلى الأول فيه وجهان، أحدهما: لا تجاوزوا حدود ما عين الله لكم، يعني: من أحل الله له تناول الطيبات ينبغي أن يكون في حيزه، فإذا تجاوز عنه وقع في حيز ما حرمه عليه، كذا فسر قوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} في البقرة [الآية: 229]، وقال: "من كان في طاعة الله والعمل بشرائعه فهو متصرف في حيز الحق، فنهي أن يتعداه؛ لأن من تعداه وقع في حيز الباطل"، وثانيهما: لا تسرفوا؛ لأن الإسراف أيضاً تجاوز الحد، والمعنى ظاهر، وعلى أن يكون بمعنى الظلم فيه وجهان أيضاً: ألا يقدر للاعتداء متعلق ليكون مطلقاً فيتناول جميع ما يسمى اعتداء، ويدخل فيه هذا الاعتداء الخاص دخولاً أولياً لوروده عقيبه، وثانيهما: أن يُقدر ما يُنبئ عنه السياق، وإليه الإشارة بقوله: "ولا تعتدوا بذلك" أي: بتحريم الطيبات.
قوله: (التي تسمى رزقاً)، يعني الحلال، فإن الحرام لا يسمى رزقاً عنده، قال القاضي: {حَلالاً} إما مفعول "كلوا"؛ و {مما}: حال منه تقدمت عليه، أو: حال من الموصول، أو: صفة لمصدر محذوف، وعلى الوجوه: لو م يقع الرزق على الحرام لم يكن لذكر الحلال فائدة زائدة.
الراغب: الرزق: يقال لما يجعل غذاء، ويقال للعطية جميعاً، قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] أي: ما تتغذى به، وقال تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] أي: ما أعطيناهم، قال بعضهم: هذه الآية تقتضي أن الرزق يقع على الحرام