كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

(حَلالًا): حالٌ مما رزقكم اللَّه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيضاً؛ لأنه خص فقال: {مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً}، فلولا أنه يتناولهما لما كان لتخصيصه فائدة، وقال مخالفه: {حَلالاً طَيِّباً}، انتصابه على أنه حال مؤكدة، كأنه قيل: كلوا مما رزقكم الله وهو حلال طيب.
قوله: ({حَلالاً}: حال مما رزقكم الله)، وقال في البقرة [الآية: 168]: " {حَلالاً}: مفعول {كَّلُوا}، أو حال {مِمَّا فِي الأَرْضِ} "، لعل اختصاص الحال بهذا المقام دون ذلك المقام؛ لأن الخطاب هنالك عام يدل عليه مجيء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] بعده، وهاهنا خاص بالمؤمنين الذين ضيقوا على أنفسهم وتحرجوا من الحلال، فاقتضى لذلك حالاً مؤكدة، ولهذا أكد بقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} وبقوله: {الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ}.
وقلت: الأولى ما قاله أبو البقاء: أن {حَلالاً}: صفة مصدر محذوف، أي: أكلا حلالا، ليكون توسعة في الكل ورفعاً للتضييق، سيما إذا اعتبر معنى {طَيِّباً} معه، وذلك أن ورود هذا الأمر عقيب النهي عن التحريم للطيبات والتشديد فيه بقوله: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} يقتضي ما يقابله من التوسعة.
وبيان النظم ما أشار إليه الراغب، قال: لما ذكر حال الذين قالوا: إنا نصارى، ذكر أن منهم قسيسين ورهبانا، فمدحهم بذلك، وكانت الرهبانية قد حرموا على أنفسهم طيبات ما أحل الله لهم، ورأى الله قوماً تشوفوا إلى حالهم وهموا أن يقتدوا بهم، نهاهم عن ذلك، وقوله

الصفحة 465