كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

(وَاتَّقُوا اللَّهَ): تأكيدٌ للتوصية بما أمر به، وزاده تأكيداً بقوله: (الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ)، لأنّ الإيمان به يوجب التقوى في الانتهاء إلى ما أمر وعما نهى عنه.
[(لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) 89].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعالى: {وَلا تَعْتَدُوا} يجوز أن يكون حكماً لما دل عليه قوله: {لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} إلى تناول المحظورات، وأن يكون نهياً عن الطرفين في التفريط والإفراط وحملاً على القصد، فإن قيل: لَِم لم يقل: والله يبغض المعتدين، ليكون أبلغ؟ قيل: بل المذكور أبلغ؛ لأن من المعتدين من لا يوصف بأن الله يبغضه ويوصف بأن الله لا يحبه، وهو من لم يكن اعتداؤه كبيراً.
قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ}: تأكيد للتوصية بما أمر به)؛ لأن الأمر بالتقوى أمر بالامتثال بجميع ما يجب أن يأتمر به المكلف ونهي عن جميع ما يجب أن يحترز منه، فمنه الأمر بأكل الحلال، أو {وَاتَّقُوا اللَّهَ} في ذلك ما سبق في {وَلا تَعْتَدُوا}، ولأنه مثله في الإطلاق والتقييد، وكذا في ترتب هذا الحكم على قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} مزيد توكيد لذلك الأمر، يعني: اختصاص الله بإيمانكم يوجب الامتثال بما أمر به والانتهاء عما نهى عنهن ومن جملتها هذا المأمور، وإنما قدرنا الانتهاء ثانياً ولم يقدر المصنف، بل عدى الانتهاء الواحد تارة بـ"إلى"، وأخرى بـ"عن" صورة، ومراده بالثاني غير الأول؛ لأن الأول بمعنى الإفضاء، والثاني مطاوع نهاه فانتهى، فلابد من إضمار؛ لأنه ليس من قبيل: شهد لزيد على عمرو، ورغب عنه إليه، بل من باب قوله:

الصفحة 466