كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
«شارب الخمر كعابد الوثن»، ومنها: أنه جعلهما رجساً، كما قال تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج: 30]، ومنها: أنه جعلهما من عمل الشيطان، والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت، ومنها: أنه أمر بالاجتناب، ومنها: أنه جعل الاجتناب من الفلاح، وإذا كان الاجتناب فلاحاً كان الارتكاب خيبةً ومحقةً، ومنها: أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض من أصحاب الخمر والقمر، وما يؤدّيان إليه من الصدّ عن ذكر اللَّه، وعن مراعاة أوقات الصلاة.
وقوله: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) من أبلغ ما ينهى به، كأنه قيل: قد تلي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟ أم أنتم على ما كنتم عليه، كأن لم توعظوا ولم تزجروا.
فإن قلت: إلام يرجع الضمير في قوله: (فَاجْتَنِبُوهُ)؟ قلت:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أنه جعلهما رجساً)، الراغب: النجس والرجس متقاربان، لكن النجس يقال فيما يستقذر بالطبع، والرجز والرجس أكثر ما يقال فيما يستقذر بالعقل، ولهذا فسر بالإثم والسخط.
قوله: (من الصد عن ذكر الله)، الراغب: إن قيل: الذي يصد عن ذكر الله هوا لشرب الكثير دون القليل، كما قال تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43]، فيجب أن يكون هو المحرم، قيل: بل ذلك منهما، فإن القليل داعٍ إلى الكثير، وشُرب الكثير داع إلى ذلك.