كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المؤمنين"، وعلى الوجه الثاني الآية عامة وردت في أمر خاص، فيدخل فيه من نزلت بسببه دخولا أولياً، وعلى الأول مطلق، فيدخلون فيه كسائر الناس، وعلى التقديرين الآية مقررة لمعنى التوسعة في قوله تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة: 88]؛ لأن معناه: اجمعوا بين أكل الطيبات والاحتراز عن المحظورات، ومعنى هذه الآية على ما فسره المصنف "رفع الجناح عن المؤمنين في أي شيء طعموه من مستلذات المطاعم ومستهياتها إذا ما اتقوا ما حُرم عليهم"، فالمعنيات متقاربان، وقوله تعالى بعد ذلك: {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] إرشادٌ إلى طريق إزالة الحنث بما عقدوه من الأيمان على ألا يزالوا صائمين قائمين، كما أوردناه في الحديث الوارد في بيان النزول لتلك الآية، أو قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية [المائدة: 90]، بيان للنهي عن بعض ما يجب أن ينتهي عنه، وهو الأصل في البواقي لتسميتهم الخمر بأم الخبائث، وهداية إلى بعض ما يجب أن يمتثل به، وهو أم العبادات والعمود والفارق، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وعمود الصلاة"، ثم كان قوله: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} الآية، بمنزلة قوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} في البقرة [الآية: 173]، لمجيئهما عقيب تحريم الطيبات رداً لزعمهم أن المستلذات من الأطعمة منخرطة في سلك المذكورات، فقصر التحريم عليها دونها، وقد سبق تمام تقريره هناك، وقوله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} الآية، تفصيل لما مر، إذ المعنى: ليس المطلوب من المؤمنين الزهادة عن المستلذات وتحريم الطيبات، وإنما المطلوب منهم الترقي في مدارج التقوى والإيمان إلى مرات الإخلاص واليقين ومعارج القدس والكمال،