كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)
فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر فنزلت.
يعني: أن المؤمنين لا جناح عليهم في أي: شيء طعموه من المباحات إذا ما اتقوا المحارم، (ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا)، على معنى: أنّ أولئك كانوا على هذه الصفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وذلك بأن يثبتوا على الاتقاء عن الشرك وعلى الإيمان بما يجب الإيمان به وعلى الأعمال الصالحات، لتحصل الاستقامة التامة فيتمكن بالاستقامة من الترقي إلى مرتبة المشاهدة ومعارج "أن تعبد الله كأنك تراه"، وهو المعني بقوله: {وَأَحْسِنُوا}، وبها تُمنح الزلفى عند الله ومحبته. {اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وفي هذا النظم مسحة من معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك"، رواه الترمذي وابن ماجه.
قوله: (فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون؟ )، روينا عن الترمذي، عن البراء، قال: مات رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تُحرم الخمر، فلما حرمت، قال رجال: كيف بأصحابنا وقد ماتوا وهم يشربون الخمر؟ فنزلت.
قوله: (على معنى: أن أولئك كانوا على هذه الصفة)، يعني: قوله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} عام، وقد ورد في هذا الوجه جواباً عن سؤالهم، وكان من الظاهر أن يُقال: ليس عليهم جناح في أي شيء طعموه من المباحات إذا ما اتقوا المحارم، فعدل إلى ذكر الكلمة وبيان أوصافهم ليدل على رفع الجناح عنهم بالطريق البرهاني، وفيه أن من يكون له أمثال هذه الأوصاف الفاضلة لا جُناح عليه من المباحات، وإليه ينظر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون: 51] فقد جمع في المثال، وهو: "ليس على أحد جناح في المباح إذا اتقى المحارم وكان مؤمناً محسناً"، العموم والوصف.