كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

فإن قلت: ما يصنع أبو حنيفة بعموم قوله: (صيد البر)؟ قلت: قد أخذ أبو حنيفة رحمه اللَّه بالمفهوم من قوله: (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) لأن ظاهره أنه صيد المحرمين دون صيد غيرهم، لأنهم هم المخاطبون فكأنه قيل: وحرم عليكم ما صدتم في البر، فيخرج منه مصيد غيرهم، ومصيدهم حين كانوا غير محرمين. ويدل عليه قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ).
وقرأ ابن عباسٍ رضي اللَّه عنه: (وحرّم عليكم صيد البرّ)؟ أي: اللَّه عزّ وجلّ. وقرئ (ما دُمْتُمْ) بكسر الدال، فيمن يقول دام يدام.
[(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)].
(الْبَيْتَ الْحَرامَ): عطف بيانٍ على جهة المدح لا على جهة التوضيح، كما تجيء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قد أخذ أبو حنيفة بالمفهوم)، قيل: هذا استدلال ضعيف؛ لأن المفهوم عنده ليس بحجة، إلا أن يقال: ليس المراد هاهنا المفهوم المخالف، بل المراد ما يُعلم من الآية ويفهم منها، وقلت: يرده قوله: "فيخرج منه مصيد غيرهم ومصيدهم حين كانوا غير محرمين"، ولو أريد الاستدلال بظاهر الآية لكان من باب الاستدلال بعبارة النص، وهو العمل بظاهر ما سيق الكلام له، والأولى أنه خُص بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا توقفت الصحابة، روينا عن البخاري، عن أبي قتادة: فأحرموا ولم أحرم، فبصروا بحمار وحش، فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني، فطعنته فأثبته فأكلنا منه، فقلنا: يا رسول الله، إنا صدنا حمار وحش، وإن عندنا فاضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "كلوا" وهم محرمون.
قوله: {الْبَيْتَ الْحَرَامَ}: عطف بيان على جهة المدح لا على جهة التوضيح، كما تجيء

الصفحة 495