كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

[(قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)].
البون بين الخبيث والطيب بعيد عند اللَّه تعالى وإن كان قريبا عندكم، فلا تعجبوا بكثرة الخبيث حتى تؤثروه لكثرته على القليل الطيب، فإنّ ما تتوهمونه في الكثرة من الفضل، لا يوازى النقصان في الخبيث، وفوات الطيب، وهو عام في حلال المال وحرامه، وصالح العمل وطالحه، وصحيح المذاهب وفاسدها، وجيد الناس ورديهم ........
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القيام بما أمر به"، ثم إيقاع هذه الجملة، أعني: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ}، معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، وهذه التأكيدات في إثبات العلم تدل دلالة ظاهرة على أن جعل المشار إليه بقوله: "ذلك ما ذكره الله تعالى من حفظ حرمة الإحرام بترك الصيد وغيره" أولى من جعل الكعبة قياماً، بل كل ما ذكره الله من أول السورة، بل كل ما بلغه صلوات الله عيه وسلامه وما جاء به من الوحي وغيره ليدخل فيه ما تضمنته السورة بالطريق الأولى؛ لأن التأكيدات في إثبات العلم بقوله: {أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} ثم التعميم بقوله: {وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: 97]، ثم الوعيد والوعد بقوله: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98]، ثم التخصيص بما أجرى هذه التشديدات لأجله من قوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ}، وتوسيط هذا الاعتراض، يدل على أن الخطب عظيم، وإلى هذا المعنى ينظر قول المصنف: "وأنا لرسول قد فرغ مما قد وجب عليه من التبليغ" إلى آخره.
قوله: (لا يوازي النقصان [في الخبيث] وفوات الطيب)، يعني: لا يساوي بين كثرة الخبيث وفوات الطيب، فإن الكثرة قوبلت بالخبيث الذي في نفسها، وبفوات الطيب الذي هو خارج منها، فلن يغلب الواحد الاثنين.
قوله: (وهو عام في حلال المال وحرامه)، الراغب: الخبيث هو: الباطل في الاعتقاد والكذب في المقال والطالح في الفعال، وأصله الرديء الدخلة الذي تظهر رداءته في الاختبار. ولهذا قال الشاعر:

الصفحة 498