كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبكناه ونحسبه لجيناً ... فأبدى الكير عن خبث الحديد
ومتى اعتبر الطيب بالخبيث فهو كالدائرة من النقطة بل كالشيء الذي لا قدر له بالمرئي، فبين الله تعالى أن الطيب وإن استقللتموه فهو خير من الخبيث وإن استكثرتموه حتى يعجبكم كثره، ونبه أن الاعتبار في الأشياء ليس بالقلة والكثرة، بل إنما ذلك بالجودة والرداءة، فالمحمود القليل خير من الذميم الكثير، ولهذا قيل: أقلل وأطب. إن قيل: كيف جعل الخبيث هاهنا كثيراً وقد جعله قليلاً في قوله تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء: 77]؟ قيل: استكثاره للخبيث هو على نظر المغترين بالدنيا، واستقلاله هو ما عليه حقيقة الأمر، وقوله: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ} ليس بخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل هو خطاب لكل مغتر، كقول الشاعر:
تراه إذا ما جئته متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ولأجل أن الخطاب عام من حيث المعنى، قال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} بلفظ الجمع، والمعنى: استعملوا التقوى راجين أن تبلغوا الفلاح، تنبيهاً على أن التقوى هي التي يُبلغ بها الفلاح.
وقلت: ينبغي تخصيص الجمع بعد تعميم الخطاب؛ يدل عليه الفاء في {فَاتَّقُوا اللَّهَ}، أي: لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك أيها المخاطب كثرة الخبيث، فإذا كان كذلك فقضية ذي اللب التمييز بينهما لتحري حصول الفلاح.
الراغب: اللب: أشرف أوصاف العقل، وهو اسم الجزء الذي بإضافته إلى سائر أجزاء

الصفحة 499