كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 5)

[) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (].
روي أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا فدعا نفرا من أصحاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (روي أن عبد الرحمن بن عوف)، روينا عن الترمذي وأبي داود، عن عليٌّ رضي الله عنه، قال: صنع لنا ابن عوفٍ طعاماً فأكلنا، وسقانا خمراً قبل أن تحرم فأخذت منا، وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت: قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون، قال: فخلطت، فنزلت: (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأَنتُمْ سُكَارَى).
اعلم أنه تعالى بعد ما أتم بيان أحكام ذوي الأرحام، وأطنب فيه وفيما يتعلق بها؛ أخذ في بيان شرع آخر من الأحكام التي تتعلق بالعبادة، وهي: إما أن تتعلق بالقلوب، أو بالجوارح، والأول: إما أن يختص بالله عز وجل، أو بالخلق؛ فالذي يختص بالله هو المراد بقوله: (واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء: 36] والذي يتعلق بالخلق هو المراد بقوله: (وبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وبِذِي القُرْبَى والْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْجَارِ) [النساء: 36]، ثم حث على التواضع والجود بذم الكبر والبخل بقوله: (إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) [النساء: 36]، (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) [النساء: 37]، وذم الإنفاق الذي لا يكون لوجه الله، وقرنه بالكفر حيث قال: (والَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ ولا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولا بِالْيَوْمِ الآخِرِ) [النساء: 38]، وبالغ في قلع الرياء وقمع الشرك الخفي حيث ترقى إلى نفي الشرك الجلي بقوله: (ومَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ) [النساء: 39]، ثم حرض على الإخلاص في الإنفاق بقوله: (إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) الآية [النساء: 40]، ثم أتى

الصفحة 5